موازين غزة بين رهانات الخاسرين وتحالف الرابحين!
ليس من باب الحدس ولا التخمين ولا حتى التحليل فحسب القول بأن واحداً من دوافع الحرب العدوانية الأخيرة على غزة هو فصل سورية وإيران الممانعتين لمنهج التسوية الاستئصالي للقضية الفلسطينية عن الملف الفلسطيني، وفي مرحلة لاحقة إحراج ما صار يعرف بالمحور السوري-الإيراني مع المقاومة اللبنانية المسلحة، في محاولة يائسة لدق الإسفين الذي لطالما عجزوا عن دقه بين طهران ودمشق باعتبارهما عمود الخيمة الذي حمى حتى الآن فعل المقاومة والممانعة من السقوط في دهاليز المخطط الأميركي-الإسرائيلي البترو «عربي» ضد فكرة استمرار ثقافة المقاومة!أقول هذا والمعلومات المتوافرة لدينا من أكثر من مصدر موثوق ومطلع تؤكد أن الخطة التي كانت موضوعة للضربة الإسرائيلية ضد حكومة «حماس» وفصائل المقاومة المتحالفة معها في القطاع كانت تستهدف تحقيق ضربة قاضية ضد حكومة المجاهد إسماعيل هنية بما يؤدي إلى تفكيك سلاح المقاومة في القطاع وتاليا نزعه، ومن ثم الانتقال فورا إلى السياسة لممارسة أعلى درجات الضغط على دمشق لوضعها تحت «أمر واقع» جديد مفاده أنك وبعد أن انكفأت عن لبنان نفوذاً وموقعاً ودوراً ها قد خسرت ورقة المقاومة الفلسطينية أيضا، وما عليك إلا أن تقبلي بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية وإقليمية إذا شئت من أجل الالتحاق بقطار المعتدلين العرب قبل فوات الأوان!
ولما كان ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي متحمس لرؤية سورية منفصلة عن الملف المركزي للأمة العربية أي القضية الفلسطينية، وهو يعمل منذ مدة وبتناغم واضح مع أطراف دولية كبرى لفك ما يسميه عرى التحالف السوري-الإيراني، كمقدمة لابد منها لمحاصرة المقاومة اللبنانية وحشرها في الزاوية الحرجة بخصوص مستقبل سلاحها، فقد راهن القطبان الرئيسان في ذلك المعسكر العربي بأن سورية ستخرج من معركة غزة باعتبارها الخاسر الأكبر من المعركة، ما سيدفعها عمليا لرفع راية الاستسلام أمام شروط «تسوية مغرية» تفيد المعلومات التي كان يروجها الإسرائيليون وأدواتهم بأن تل أبيب كانت مستعدة «للتنازل» عن الجولان بأكمله بما فيه بحيرة طبريا بكاملها!! لكن ما غاب عن هذا المعسكر «المعتل» ومن ورائه المحور الإسرائيلي-الأميركي بأن الزعيم العربي الذي يدير دفة السياسة والدبلوماسية في دمشق هو هذا الشبل من ذاك الأسد! فيوم استبشر القائد الراحل حافظ الأسد بالثورة الإسلامية الإيرانية خيرا، وقرر التحالف معها مبكراً، ويوم وقف إلى جانب مظلوميتها بوجه جمع من أبناء جلدته ممن ورطوا العرب والمسلمين بحرب عبثية مفروضة ضد العروبة والإسلام، كان يدرك حينها بحسه السياسي المرهف بأن ما فقده العرب في «كامب ديفيد» الملعونة لا يمكن ترميمه إلا من خلال تحالف استراتيجي مع المقاوم الإيراني الجديد كهدية إلهية ممنوحة للعرب وصلت إليهم من حيث لا يحتسبون!واليوم أيضا كما هي قصة الأمس القريب، لم يكن الزعيم العروبي الجديد بمنأى عن إدراك أهمية ودور طهران الاستراتيجي في الحرب كما في السلام، كما لم يراوده الشك ولا للحظة بأن ما كان يسمعه في دهاليز المفاوضات غير المباشرة من حديث عن «السلام» لم يكن سوى كذب وتضليل وترانيم خداع، ما دفعه أن يستعد جيدا هو وحلفاؤه في محور المقاومة والممانعة من طهران وصولا إلى غزة مرورا ببيروت لسيناريو المؤامرة الظالمة والحاقدة على القضية برمتها، وما يمكن أن يستتبعها من تداعيات، تماما كما ورد تفصيله في خطابه التاريخي في قمة غزة في الدوحة!أخيراً فإن العارفين بخفايا الأمور يقولون إن رهانات الحمقى في تل أبيب، ورهانات ليفني ومؤيديها من «المعتلين» من أيتام العرب وخلاياهم التائهة، وكل من يقف وراءهم من القوى الدولية، على انفكاك تحالف إيران وسورية وامتدادهما الطبيعي إلى لبنان وفلسطين اليوم، وبعد انتصار غزة العظيم، بات أشبه ما يكون برهان المقامرين الخاسرين على آخر قرش في جيبهم قبل لحظات من إقفال كازينو القمار الدولي!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني