الوطن لنا... والدولة لهم

نشر في 09-11-2008
آخر تحديث 09-11-2008 | 00:00
 سعد العجمي

لا يمكن القول إن فلانا «مداول» نسبة إلى الدولة، ولا يقال فلان «مبالد» نسبة إلى البلد، لكننا نقول: فلان «مواطن» نسبة إلى الوطن والمواطنة، لأن هذا الانتساب هو الأسمى والأوثق عند الربط بين الإنسان والكيان الذي يعيش فيه.

الجدل جزء من النجاح، بمعنى أن اختلاف الناس عليك بين مؤيد ومعارض لما تقول أو تفعل، يدل على أنك تؤدي عملا يحظى باهتمامهم ومتابعتهم بغض النظر عن «النسبة» في التأييد أو المعارضة، وهو ما ينطبق على برنامج «مانشيت» الذي يشرف عليه الزميلان محمد الوشيحي وسعود العصفور تقديما وإعداداً.

التساؤل الذي كان عنوان الحلقة الماضية من البرنامج «هل الكويت دولة مؤقتة»، استفز شريحة كبيرة من المشاهدين، والكتّاب، والمدونين، فبات مثار حديثهم على مدى الأيام السابقة، وهو -أي العنوان- اختير بحرفية ومهنية عالية، من وجهة نظري لسببين: الأول أنه كان عامل جذب إضافي لعدد المشاهدين، كونه عنوانا «محفزا» للمتابعة، بل المشاركة في الحلقة أيضا، والسبب الثاني وهو الأهم، أن العنوان كان: هل الكويت «دولة مؤقتة»؟ ولم يكن هل الكويت «وطن موقت»؟ فهناك فرق كبير بين الدولة والوطن.

الدولة هي الحكومة ووزاراتها ومؤسساتها، وهي مجلس الأمة والسلطة القضائية، ومؤسسات المجتمع المدني، والقانون والنظام والمباني والطرقات، وما إلى ذلك من المظاهر الأخرى، التي قد تتبدل أو تتغير يوما ما، أما «الوطن» فهو الانتماء والولاء، شعوراً وسلوكاً وممارسةً، وهو ثابت لا يزول.

لا يمكن القول إن فلانا «مداول» نسبة إلى الدولة، ولا يقال فلان «مبالد» نسبة إلى البلد، لكننا نقول: فلان «مواطن» نسبة إلى الوطن والمواطنة، لأن هذا الانتساب هو الأسمى والأوثق عند الربط بين الإنسان والكيان الذي يعيش فيه، ويوم أن انتشر أغلب الكويتيين في كل أرجاء المعمورة إبان فترة الغزو، كانوا بلا دولة، ولكن كان لهم وطن يعيش في قلوبهم اسمه «الكويت»، لم يستطع العراقيون نزعه بعد أن دمروا كل معالم «الدولة»، وبالتالي فإن التساؤل حول «وقتية» الكويت كدولة بمفهوم الدولة الذي تحدثنا عنه، هو تساؤل مشروع لا يجب أن يتعامل معه البعض بحساسية مفرطة كما حدث في حالة الوشيحي وبرنامجه، الذي أتفق معه في كل كلمة قالها خلال تلك الحلقة، لأن واقعنا يقول ذلك قبل أن ننطق به نحن.

أن ينام ياسر الصبيح وآخرون معه وهم كويتيون، ويصحوا وهم غير ذلك، فإننا في دولة موقتة... وأن تكون المواطنة والانتماء للوطن مادة للابتزاز والمساومة، فإننا في دولة موقتة... وأن تصبح المراسيم الأميرية الموقعة من صاحب السمو عرضة للتسويات السياسية، فإننا في دولة موقتة... وأن تكون ممارسات الحكومة والمجلس معا عاملين من عوامل شق الوحدة الوطنية وتعزيز الطائفية، فإننا في دولة موقتة... وأن تحدث سرقات واختلاسات وعمولات في كل مشروع حيوي يشيد، فإننا في دولة موقتة... وأن تمر فترة الارتفاع الجنوني لأسعار النفط دون إحداث ثورة في البنية التحتية من تعليم وصحة وغيرها، فإننا في دولة موقتة... وأن يحارب أصحاب الرأي والمشورة ويقرب أصحاب العقول الخاوية من مراكز اتخاذ القرار، فإننا في دولة موقتة... وأن يلعب الأزرق في «السكة» بدلا من «الساحة» بسبب صراعات الديكة، فإننا في دولة موقتة... وأن تُهرب استثمارات وأموال كبار تجار البلد إلى الخارج، فإننا في دولة موقتة.

انظروا إلى مباني ومرافق الوزارات، وانظروا إلى حال مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، وانظروا إلى مستشفياتنا، وانظروا إلى جامعتنا الوحيدة، وانظروا إلى شواطئنا، وانظروا إلى برنا، وانظروا حتى إلى أغانينا الوطنية، والتفتوا يمينا ويسارا خلال تجولكم بسياراتكم لتتأكدوا بأن كل ما حولكم «موقت».

نعم يا سادة إن تحدثنا عن دولة، فنحن نعيش ربما في الدولة الوحيدة في العالم التي «تسرق نفسها بنفسها»، وقد تزول مظاهرها يوما ما، أما إن تحدثنا عن «وطن» فهو باق في قلوبنا رغما عنهم، فالوطن لنا، والدولة لهم.

back to top