... وروسيا أيضاً بيتها من زجاج!
التعاطف مع روسيا، بالنسبة لأزمة القوقاز الأخيرة، الذي شمل العرب والعجم ومعظم شعوب الأرض ليس سببه حب الرُّوس، وإنما كُره الولايات المتحدة؛ فالعالم كله حتى بما في ذلك الدول الحليفة والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بات يضيق ذرعاً بالسياسات والممارسات الأميركية الهوجاء، وبخاصة خلال الأعوام الثمانية الماضية العجاف من عهد إدارة الرئيس جورج بوش (الابن) غير الميمون الذي أوصل سمعة الأميركيين الى هذا الحضيض الذي وصلت إليه. إنه غير جائز على الإطلاق إنكار أن للأميركيين أيادي بيضاء في أكثر من مكان من الكرة الأرضية، في السابق واللاحق، فوقفتهم الحاسمة في عهد دوايت أيزنهاور الى جانب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وإلى جانب مصر والأمة العربية خلال العدوان الثلاثي عام 1956 لا يمكن نسيانه، ومساندتهم لمسلمي البلقان وللشعب الكويتي، ولاحقاً العراقي، تستحق ما هو أكثر من مجرد التقدير، لكن المشكلة ان هذه الإدارة تعاملت مع كل هذه الإنجازات بطريقة ما يسمى «حراثة الجِمال» حيث إن الجمل بعد ان يفتح ثلماً في الحقل وهو ذاهب، يعود لردمه وهو في طريق العودة، للبدء بمشوار آخر.
لكن هذه الأخطاء والخطايا الأميركية، التي هي الآن السلاح الأمضى الذي يستخدمه الديمقراطيون وبفعالية ضد الجمهوريين في معركة الانتخابات الرئاسية المحتدمة، لا تعني إطلاقاً أنه ليس لروسيا أخطاؤها وخطاياها الكثيرة جداً، فهذه الدولة التي ورثت نظاماً قمعياً ودموياً، عنوانه البطش الآسيوي البدائي الذي ساد لسنوات طويلة في عهد جوزيف ستالين، وورثت إمبراطورية استعمارية هي الاتحاد السوفييتي الذي فرض واقع الإمبراطورية القيصرية التي جاء كبديل لها، بهدف تجديد شبابها، بالحديد والنار، وتحت الراية الحمراء والمنجل والشاكوش. هناك الآن فَرضٌ بالقوة لصيغة «رابطة الدول المستقلة»، التي تضم الدول التي كانت أُلحقت بالإمبراطورية القيصرية، بالعنف والإكراه، والتي فرضت إمبراطورية «الرفيق» جوزيف ستالين نفسها عليها بالحديد والنار، وبمعتقلات سيبيريا التي كان ينطبق عليها وَصفُ: «الداخل مفقود والخارج مولود»، والآن فإن هناك أيضاً في عهد «الرفيق» فلاديمير بوتين، الذي له من هذا الاسم نصيب وافر، ضما بقوة السلاح وبالتهديد والوعيد لهذه الدول التي لا يتوافر لها من الاستقلال إلا هذا الاسم... وهنا فإن ما حل بالشيشان هو الدليل الواضح على حقيقة هذه الاستقلالية. إن هذا يعني أنه على روسيا، التي شعرت بنشوة عارمة بسبب تعاطف معظم شعوب العالم معها وعلى أساس: «ليس حبّاً بعليٍّ، ولكن كرهاً بمعاوية»!!، ألا تنام على ريش النعام وألا تطمئن الى هذا التعاطف، فبيتها هي أيضاً من زجاج، وهي إن بقيت تتصرف بعقلية القياصرة وبعقلية الاتحاد السوفييتي «العظيم» فإنها ستجد نفسها في وضع أسوأ ألف مرة من الوضع الذي فيه الولايات المتحدة مع العالم كله. * كاتب وسياسي أردني