لا أفضل اطلاقا النظر إلى الأدب الانساني وكأنه كتابة علمية أو سياسية تنتمي الى جهة ما وتعارض جهات أخرى، تلك التقسيمات التي صنفت الأدب الى أدب نسوي وأدب الطفل وربما ستتمادى التقسيمات لو أطلقنا لها العنان بتقسيمات أخرى كأدب سياسي وأدب مدني وأدب رعوي وخلافه، ولا أنكر أنني في وقت ما استخدمت ذلك التقسيم لإيصال فكرتي الى القارئ، وسأعتذر عن ذلك الآن.
في الأعمال الأدبية العربية دائما والغربية أحيانا لا تختفي الصفة الجنسية للكتابة ولا تنفصل عن الصفة الجنسية للكاتب، بمعنى أن الرواية التي تكتبها أنثى تتلبس صفات الأنوثة وينظر اليها بريبة مسبقة واستعداد ذهني مرتب يسبق الفعل القرائي. وفي أحيان كثيرة ينظر اليها باستعداء مسبق، هي رواية تترصدها عين القارئ بحثا عن مواقع محظورة دخلتها الكاتبة أو كادت، وكون الكاتبة امرأة يزيد الأمر مرارة - وأكثر اذا كانت امرأة جميلة، فالصفة الجنسية للكاتبة تلغي شروطا وأبجديات الكتابة وفي هذا يتساوى القارئ الناقد والقارئ العادي، ويمثل النص التافه الذي كتبته امرأة فاتنة حالة أدبية متجددة وسابقة لعصرها في رأي أسماء تم تصنيفها في المستوى الابداعي الأول، ألم يقدم لنا جبرا ابراهيم جبرا ذات يوم امرأة فاتنة اسمها منيرة مصباح على أنها شاعرة العصر ومبدعة الزمان، وحين قرأنا لم نجد شيئا مما ذكر، ويعتقد جبرا أن تلك مجرد مجاملة عابرة وليست مقدمة كتاب ستبقى جزءا من تاريخه هو حتى وان نسي الناس «شاعرة» اسمها منيرة مصباح. إن محاولة الجميع في ابقاء هذا التصنيف الأدبي هي محاولة فاشلة حتما في اخضاع الأدب النسوي تحت عباءة الرجل، وهو أدب لم يعد بحاجة الى شهادة من أحد. ليس في الغرب وحسب وليس على المستوى العربي ولكن على المستوى المحلي أيضا. أقتصر هنا على الحالة الكويتية في السنوات الثماني الماضية وهي أول سنوات هذا القرن الجديد، في هذه السنوات بدأت تتبلور كتابة أدبية لمجموعة من الشباب تشكل المرأة العنصر الأهم كمّا وكيفا، تلك الكتابة الروائية على وجه الخصوص جاءت مبشرة وجادة، جريئة ومغايرة. وهي كتابات لها القدرة على اخراج الأدب من الصفة الجنسية للكتابة والكاتب الى الصفة الأدبية الخالصة، كما نجحت كتابات كيت شوبان واليس مونرو وفرجينيا وولف في ابعاد الهوية الجسدية عن الكتابة. ما كتبته في تلك السنوات الثماني بثينة العيسى، استبرق أحمد، هبة بو خمسين وميس العثمان يفوق كما ونوعا ما كتبه الرجل الذي أصدر أعماله في نفس تلك الفترة. ذلك ليس رأيا شخصيا وإنما رأي سمعته من أكثر من متابع للساحة الروائية في الكويت. الآن سأكتب رأيا شخصيا. منذ فترة وأنا أقرأ أعمالا روائية كويتية لكتاب أعدّه عن الرواية الكويتية في السنوات العشر الأولى من هذا القرن محاولا تطبيق مدارس نقدية حديثة على تلك الأعمال، العمل الأكثر قابلية لتطبيق أكبر عدد من النظريات الحديثة هو عمل بثينة العيسى «عروس المطر»، ولا تشكل النظرية النسوية فيه سوى جزء بسيط من مجمل النظريات الأخرى الأكثر اتساعا، يلي ذلك عمل سعد جوير «باربار» ثم عمل هبة بوخمسين «قليلا وشهقة»، وبالمناسبة أنا لا أعرف أيا من الكاتبتين، هذه الأعمال تجاوزت أعمالا أخرى صدرت لروائيين لهم خبرة وتجربة أكثر في العمل السردي مقارنة بهؤلاء الشباب، على الأقل في امكان تطبيق النظريات الحديثة في النقد الأدبي.
توابل - مزاج
الرواية النسوية
30-11-2008