هل ازداد الإرهاب بعد غزو العراق؟

نشر في 24-09-2008
آخر تحديث 24-09-2008 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

لم يكن مفاجأة ما ظهر من عناصر وعمليات الإرهاب التي جرت بعد غزو العراق 2003، بقدر ما كان مخططاً له تخطيطاً دقيقاً قبل سنوات من غزو العراق، ومنذ أن ترك أسامة بن لادن السودان عام 1996 مطروداً إلى أفغانستان، بعد أن عرض السودان تسليمه لأميركا «في عهد كلينتون» فرفضته، حيث لا قضية ضده في أميركا، كما قيل وقتها. وبعد أن عرض السودان تسليمه للسعودية فرفضته، لأن الشرط السوداني لتسليمه كان عدم محاكمته، في حين أن السعوديين صمموا على محاكمته محاكمة شرعية. وهكذا أُفلت «الثعلب» من القنّاص الأميركي والقنّاص السعودي، وطار إلى أفغانستان بطائرة خاصة هو وعائلته، ليصبح بعد ذلك أخطر إرهابي في العالم، ولتصبح منظمته «القاعدة» أخطر منظمة إرهابية، آذت أذىً كبيراً كلاً من أميركا والسعودية اللتين رفضتا استلام بن لادن. وامتلك بن لادن القوة الإرهابية، كأي قرصان من قراصنة البحار في القرون الوسطى، أو كأي تاجر مخدرات من تجار أميركا اللاتينية. والتفَّ حوله الكثيرون من قريب ومن بعيد ممن فشلوا في الحياة، وتم قهرهم وإسكاتهم بالقوة، فوجدوا في الإرهاب متنفساً لهم.

-2-

يقول عالم النفس الألماني/ الفلسطيني الأصل جهاد مرزوية، كما نقل عنه الكاتب الجزائري حميد زناز في بحثه «المسلم ذلك الفرد المقهور»: إن التراتبية الصارمة التي تطبع العائلة العربية، تخنق أنفاس الشبان والشابات، وتحرمهم من التعبير عن غضبهم وتفريغه. وهذا يدفع بهؤلاء المقموعين إلى كبت حنقهم، والانكفاء على ذواتهم. وبما أن الانتحار مُحرّمٌ في الإسلام، فإنهم يسعدون حينما تسنح لهم، في يوم من الأيام، في إمكان قذف ذاك الغضب المتراكم خارج ذواتهم بتوجيهه ضد الآخر. وهكذا يحوّلون الممنوع إلى فعل بطولي، فينتحرون ليُقتلوا.

ويتساءل الباحث الجزائري، وأستاذ الفلسفة، حميد زناز: ألا يكون سقوطهم في حفرة العمل الانتحاري محاولة غير معلنة للبحث عن موت، يعبّرون به عن حقدهم الدفين نتيجة لاعتقالهم الثقافي؟

إن مجتمعاً يقمع الفرد، ويرفض التساؤل عن نفسه، ويحرم فنانيه ومفكريه من الحق في إثارة الشك، لا يمكن له أن يتمدن، ولا أن يزدهر، ما دام لا يجرؤ على السخرية من ذاته، وما دام يحارب أبسط التصرفات التي لا تتوافق مع تصوراته.

-3-

من المسلمات، أن يزداد الإرهاب بعد غزو العراق، ووقوف قوة عظمى في وجهه، للقضاء عليه عسكرياً وبالقوة، طيلة سنوات خمس ماضية.

وشيء طبيعي، أن يزيد الإرهاب بعد غزو العراق، فمثله مثل «عش دبابير» في بيتك أو في حديقتك، تأتي لتزيله، فتهجم عليك الدبابير، هجوماً كاسحاً. وعندما ترش بيتاً للنمل، أو لأي حشرة أخرى، في بيتك أو في حديقتك بالبخاخ، فمن المتوقع أن يخرج عليك النمل بالمئات.

وتشير بيانات «معهد الوقاية من الإرهاب» الذي تموّله وزارة الأمن الداخلي الأميركية إلى زيادة تفوق بمقدار أربع مرات، في عدد القتلى في أنحاء العالم نتيجة للإرهاب في الفترة من عام 1998 إلى عام 2006. وجاءت أكبر زيادة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 .

ولعل هذه النتيجة كانت أمراً متوقعاً، فيما لو علمنا أن أكثر من دراسة صدرت في أميركا تقول إن 79 في المئة من عدد القتلى في أنحاء العالم بسبب الإرهاب، وقعت في العراق في عام 2006 فقط، وذلك بسبب عوامل نعلمها جميعاً، وربما شرحناها في مقال قادم.

-4-

إن الألم الذي شعرنا به طيلة السنوات الخمس الماضية من غزو العراق، كان نتيجة لكمية القيح والصديد التي خرجت من الدُمّل العراقي الكبير المتفجر، الذي فتحته أميركا بمشرطها العسكري. وهذا ما سيكشف عنه قريباً الناشط العراقي/ الأميركي كنعان مكيّة، صاحب الكتاب المشهور»جمهورية الخوف»، من خلال 100 مليون صفحة من تاريخ وأسرار حزب البعث في العراق، التي حصل عليها مكيّة بعد غزو العراق عام 2003، وأودعها جامعة ستانفورد «من أشهر خمس جامعات في أميركا» لكي يتم تصنيفها، وحفظها هناك، لتكون صالحة كمرجع وثائقي وتاريخي مهم جداً، لعهد صدام حسين، وحكم البعث العراقي.

-5-

إذن، وطبقاً لذلك، فلو زاد عدد الإرهابيين، وزاد عدد ضحاياهم في الشرق الأوسط، فهذا تحصيل حاصل، ونتيجة طبيعية لنبش قبور الأصولية الدينية المغذية للإرهاب.

ولكن هناك حقيقة يجب أن نعلمها جيداً، وهي:

1- لقد غفلت أميركا والعالم العربي معها، عن النشاط الإرهابي الذي بدأ مع اغتيال الرئيس السادات عام 1981. ولم ينتبه الجميع إلى ضرورة الإصلاح التعليمي الديني خاصة، لكي لا يتضخم الدُمَّل الإرهابي في جسد العالم العربي. ولكن الجميع كانوا نياماً. وتجلّت هذه الغفلة في أحداث 11 سبتمبر، وما بعدها، والى الآن.

2- لقد اعتقدت أميركا واعتقد معها العالم العربي، بأن محاربة الإرهاب يمكن أن تتم بضربة عسكرية موجعة، أو بعدة ضربات متتالية أو متفرقة. ولكن الأيام منذ عام 2003 إلى الآن، أثبتت أن الحلَّ العسكري ليس هو الحل الناجع، وأن الحلَّ الطويل الأمد المتمثل بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والثقافي، هو الحل الأنجع على المدى الطويل. ولكن الإدارة الأميركية في 2001، لم يكن أمامها غير أربع سنوات لكي تُنجز مهمتها، فلم تستطع إنجاز هذه المهمة، وعادت مرة أخرى وكان أمامها أربع سنوات أخرى، ولكنها في المرة الثانية لم تنجز المهمة الصعبة أيضاً. فقد تبين أن الإرهاب كما عبر عنه عالم النفس الفلسطيني/الألماني جهاد مرزوية علّة اجتماعية ونفسية، تحتاج إلى علاج طويل النفس.

-6-

ولكن رغم هذا كله، تخرج علينا تقارير، تقول إن غزو العراق قد ساهم مساهمة ملحوظة في تقليص أثر الإرهاب، نتيجة لمقتل المئات من الإرهابيين على أيدي القوات الأميركية في العراق. فقد أظهرت دراسة نُشرت أخيراً، تراجعاً في الهجمات القاتلة للإرهاب في أنحاء العالم. وقال تقرير «ملخص الأمن البشري»، لعام 2007، وهو تقرير سنوي تموّله حكومات كندا، والنرويج، وسويسرا، والسويد، وبريطانيا: «لقد حدث تراجع كبير في ضحايا الإرهاب في العالم، حتى إذا أضيفت بيانات الإرهاب في العراق».

وقال الصحافي الفرنسي لوي شاربونو: لقد تراجع عدد قتلى العمليات الإرهابية في العالم بنسبة 40 في المئة في الفترة بين يوليو وسبتمبر عام 2007، نتيجة لتراجع عدد ضحايا الإرهاب في العراق، بعد إرسال ما وُصف بأنه قوات أميركية إضافية «سيرج»، ووقف إطلاق النار من جانب جيش المهدي، الذي يتزعمه مقتدى الصدر، ومساهمة السعودية المالية والسياسية، في دعم السُنَّة العراقية ومجالس الصحوة، لكي تحارب «القاعدة»، وتتعقبها، خاصة في محافظتي الأنبار وديالي، حيث خاضت الفلوجة وبعقوبة معارك ضارية بين الشرعية العراقية وعناصر الإرهاب.

* كاتب أردني

back to top