رجعت حليمة لعادتها القديمة !
هو شعار قبل أن يتحول إلى أغنية شعبية لبنانية، ويقال للواتي والذين تابوا عن أفعال السوء ثم سرعان ما رجعوا إلى عاداتهم القديمة. وحليمة هنا هي الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت- كلامياً- في بداية عهد إدارتها الجديدة امتناعها عن متابعة سياسة بوش السيئة الذكر، ثم عادت أخيراً إلى ممارسة عاداتها القديمة على حساب مصالحها الوطنية، وبالطبع المصالح العربية، خدمة للمصلحة العليا الإسرائيلية.لقاء أوباما-نتنياهو في 19 مايو بواشنطن أنتج ما توقعه الجميع، ما عدا الذين يرفضون إساءة الظن بكل ما تفعله أميركا، فقد رضخ أوباما لترتيب الأولويات الذي اقترحه علىه نتنياهو. كان يصرّ على وحدانية حل أزمة الشرق الأوسط على أساس إقامة الدولتين، قبل الانتقال إلى الأزمات الأخرى وعلى رأسها السلاح النووي الإيراني، بينما أصرّ نتنياهو على إعطاء السلاح الإيراني الأولوية في البحث، ثم عاد أوباما ورضخ لإرادة نتنياهو، وبذلك نجح نتنياهو في تخطي برنامج أوباما، كما نجح أيضاً في أن يأخذ من الرئيس الأميركي تعهدات علنية بتحديد زمان استمرار المحادثات الأميركية-الإيرانية إلى نهاية هذه السنة، وهذا يثبت رأي الذين يسيؤون الظن بالسياسة الأميركية، وهم كـُثـُر في العالمين العربي والدولي. إن أوباما عاد إلى اتباع الفلسفة التقليدية التي مارستها أميركا منذ القِدَم وهي: إذا وجدت صعوبة في حل مشكلة ما فاتركها للزمن، وهو كفيل بها. والدليل أن أوباما ونتنياهو اتفقا، في جملة ما توافقا عليه، على ترك أزمة السلام للزمن العربي الذي يزداد رداءة يوماً بعد يوم. نرجع إلى ترديد القول إن نوايا أوباما حَسَنة، لكن حل الأزمات المعقدة يتطلب أكثر من حسن النوايا، لذلك كان الوهم المسيطر قبيل الزيارة أن أوباما سيستخدم العقل والعضل معاً، لإقناع إسرائيل فإذا به يستخدم العقل المنحاز دائماً وأبداً إلى جانب تل أبيب، أما استخدام العضل فله مجال آخر في إيران وفي أفغانستان وفي العراق وفي غزة وفي سورية، وأخيراً وليس آخراً في لبنان إذا اقتضت الظروف.
قبيل الزيارة وجهت «نيويورك تايمز» تحذيراً ونصائح إلى أوباما: «إن الوضع لا يحتمل العودة إلى سياسة هذا أو ذاك، فقد رأينا فشل هذه السياسة عندما تأخر بوش في التعامل بجدية مع الأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية، وكيف نسفت هذه السياسة المصالح الأميركية في أفغانستان وباكستان والعراق وإيران، وخلقت متطرفين جدد انضموا إلى «القاعدة» في حلف دموي ضد أمْرَكـَة المنطقة. هناك عقبات ضخمة لصنع السلام، منها التنافس بين «فتح» الحاكمة ومقاتلي «حماس». ولحسن الحظ هناك دينامية جديدة يمكن استخدامها: دول عربية مثل السعودية ومصر أعربت عن قلقها الشديد من إيران كما فعلت إسرائيل. وبالإمكان استخدام هذا القلق المشترك للجمع بين خصوم الأمس لخدمة قضية مشتركة مما يؤدي إلى دفع السلام الفلسطيني-الإسرائيلي إلى الأمام، وبالتالي إلى لجم الطموح الإيراني. عندها يتمكن أوباما من الرد على تحديات الزعماء العرب الذين وافقوا على مبادرة (2002) بدعوتهم بصورة مباشرة وعلنية إلى إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل. إن التشاؤم هو العنوان الدائم في الشرق الأوسط، لكن هذا النوع من التحركات من شأنه أن يغيّر قواعد اللعبة». إن ما كتبته هذه الجريدة وغيرها من أجهزة الإعلام المرتبطة عقائدياً مع إسرائيل لا يحتاج إلى شرح أو إيضاح، فالكلمات المباشرة تكشف المستور وبالتالي تنزع «ورقة التين» عما خفي من النوايا في السياسة الأميركية الجديدة، فالقبول بمعالجة الموضوع الإيراني النووي قبل أي شيء آخر هو تراجع أميركي مكشوف، وهذا يعني أن هناك قدرة أميركية محدودة جداً في مقاومة النفوذ الصهيوني، وغير ذلك هو «كوكتيل» من الوهم والخرافة، فقبل مجيء نتنياهو إلى واشنطن، أكدت العاصمة الأميركية رسمياً أن مفتاح أزمة الشرق الأوسط يبدأ بحل الصراع مع إسرائيل. وبعد لقاء يوم الاثنين الماضي تنازل أوباما عن هذه الأولوية لمصلحة ما اشترطه نتنياهو من أن مفتاح الأزمة يبدأ بإيران النووية. «لن نتحادث (مع إيران) إلى الأبد». هذا ما قاله الرئيس الأميركي لرئيس وزراء إسرائيل في الربع الساعة الأولى من لقاء الساعتين في البيت الأبيض. وأضاف: «لن تغلق الأبواب أمام سلسلة من الخطوات التي سنتخذها في حال الفشل». ورد عليه نتنياهو «متنازلاً» أن إسرائيل مستعدة للعودة إلى مفاوضات السلام مع الفلسطينيين حالاً، إذا اعترف الفلسطينيون- كل الفلسطينيين- بإسرائيل على أنها دولة يهودية، وردّ أوباما مطمئناً نتنياهو: «لن نخلق وضعاً حيث تستغل طهران إطالة المحادثات من أجل الاستمرار في برنامجها النووي». وهنا اقترح أوباما وقتاً زمنياً للمحادثات مع طهران «خلال هذه السنة، وربما قبل نهاية السنة». وتمنى نتنياهو له النجاح، وهكذا أغلقت الستارة على هذه التمثيلية ذات الفصل الواحد. أما في الجانب الفلسطيني فقد أسرع محمود عباس، خلافاً لكل التوقعات، إلى تشكيل حكومة سلام فياض وبذلك تكتمل عناصر «سلطته الدستورية» بشكل تسمح له بأن يواجه أوباما عند زيارته له خلال الأيام القادمة بجهاز حكومي كامل يتمكن من خلاله أن يعطي الوعود والعهود بتلبية مطالب نتنياهو بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. هذا الأمر من شأنه أن يزيد الصراع بين الفلسطينيين وينقله من دائرة مفاوضات توحيد الموقف إلى الدائرة المشتعلة سياسياً وعسكرياً، مما يخدم المصلحة الإسرائيلية في إقناع ما تبقى من المسؤولين الأميركيين بأن أساس الأزمة في المنطقة هو إيران «عدوة العرب» الأولى.أما «الجيروزاليم بوست» فقد تميزت عن غيرها من أجهزة الإعلام الإسرائيلية بإظهار فرحها بعودة الإدارة الأميركية الجديدة إلى سابق عهدها أيام بوش، ففي عددها الصادر في (20) مايو كتبت: «إن تصريحات أوباما حول كيفية إجراء التقدم في مباحثات السلام لم تحمل تغييرات ذات معنى عن موقف سابقه جورج بوش». هذا ما قاله نائب وزير الخارجية «داني أيالون» للجريدة بعد لقاء الساعتين بين أوباما ونتنياهو في البيت الأبيض. وأيالون هذا الذي عمل سفيراً لتل أبيب في عهد بوش ذكر أن أوباما لم يتصرف خلافاً للسياسة التي رسمها وسار عليها بوش ما عدا تأكيده بضرورة إضافة العامل الإقليمي ليشمل صيغة السلام الجديدة. تصريحات أيالون جاءت بعد يومين من نشر استطلاع يثبت أن 31% من الإسرائيليين يعتبرون أوباما موالياً لإسرائيل بينما نال بوش في استطلاع آخر نسبة 88%. «إن المصالح الأميركية الرئيسة لا تتغير بتبدل الإدارات. المقاربات تتبدل بينما تبقى المصالح. إن بوش وضع حلّ أزمة الشرق الأوسط في رأس أولوياته وكذلك فعل أوباما»، ولم ينس أيالون نفي التقارير التي نشرت في الصحف العبرية حول مشروع أوباما لحل الأزمة الذي يتحدث عن إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية غير مسلحة يجري الاتفاق على حدودها حسب مبدأ تبادل الأراضي. أي مقابل جزء من أراضي الضفة الغربية تعطي إسرائيل أراضي في صحراء النقب وغيرها، أما بالنسبة إلى القدس فإن المدينة القديمة التي تحتوي على الأماكن الدينية المسيحية والإسلامية فتوضع تحت إدارة دولية بالتفاهم مع الفاتيكان وبين رموز الإسلام في العالم. هذه المبادرة تشترط أن يتخلى الفلسطينيون عن حق العودة على أن تقوم أوروبا والولايات المتحدة بالتعويض للاجئين الفلسطينيين. كذلك تشترط المبادرة أن تـُنشئ الدول العربية برنامجاً سمي «برنامج تنظيف الهواء» لإسرائيل، وهذا يعني البدء بالتطبيع مع العرب تدريجياً وعند الانتهاء من إقامة الدولة الفلسطينية يأتي دور الدول العربية في إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل. أيالون في نفيه وجود هذه المبادرة الأميركية هذه قال: لا أدري ما إذا كانت هناك أي مبادرة أميركية من هذا النوع أو غيرها قد وضعت بصيغتها النهائية، وهذا يعني أن النفي يؤكد وجود أفكار حول هذه المبادرة، لكن الأمر الأكثر خطورة هو أن مبادرة أوباما، أو مشاريع أفكاره، لا تذكر موضوع إنهاء الاحتلال في الجولان، ولا في ما تبقى من أرض لبنانية، مما يجعلها غير قابلة للحياة. بل على العكس، فإن تبنيها أميركياً سيحدث هزات ارتدادية متواصلة تدفع بالمنطقة إلى الانفجار الشامل.* كاتب لبناني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء