من أسباب هزائمنا المتكررة كأمة عربية، اننا معجبون بأنفسنا كثيراً، ولدرجة الغرور، وهو ما يجعلنا لا نقر أو نعترف بالهزيمة أبداً، ونتوهم أننا على الدوام منتصرون على كل مَن يعادينا، حتى إن كانت هزيمتنا واضحة كشمس النهار، وهذا هو السبب في أننا لا ننتصر، فالاعتراف بالهزيمة هو أول خطوة نحو النصر!

Ad

المهزوم، حين يقر ويعترف بهزيمته يدرك قدراته الحقيقية وجوانب ضعفه، ويحاول أخذ العبر من تجاربه السابقة، ويدرس أسباب الخسارة ليعالجها، ويتعلم من أخطائه فلا يكررها، حتى ينهض من جديد، وهو أكثر علماً وأعظم قوة وأشد بأساً، وأهلاً لتحقيق الانتصار، أما إن خدعه غروره، أو أحبطه يأسه، وراح يحدث نفسه ويوهمها بتفوقه الدائم وانتصاراته الكبيرة، فسيصبح حاله كحال الشعوب العربية والإسلامية «الحالمة»، يظل يراوح مكانه في مؤخرة الركب، وهو سعيد فرح بأوهام وخيالات التفوق والانتصار الكاذب!

أمر مثير للأسف والشفقة حقاً، أن يصل حال أمة عريقة كأمتنا، إلى هذا المستوى من السذاجة وهوس الانتصار، بحيث أصبحنا نعتبر تبادل السجناء والأسرى بين طرفين انتصاراً لطرف على آخر، لمجرد أن أحد الطرفين عربي مسلم لبس ثوب الكفاح والمقاومة والنضال من دون أن يحقق الكثير من المكاسب الحقيقية على أرض الواقع، سياسياً أو عسكرياً، إن حسبناها بحساب الأرباح والخسائر، بعيداً عن رطانات العزة والكرامة والصمود التي لا نملّ من ترديدها بمناسبة ومن دون مناسبة!

بالله عليكم، قولوا لي، ما هذه الفرحة العارمة واللامنطقية، وهذا الحديث المتكرر عن «الانتصار» بعودة السجناء اللبنانيين، «سمير القنطار» وصحبه، الذين لم يترك لقب يحمل معنى من معاني البطولة إلا وأُسبغ عليهم!

أكاد أجزم، يا سادتي، أن 90% من الأخوة الفرحين المهللين بعودة السجناء لا يعرفون من هو سمير القنطار، وما تفاصيل عمليته الفدائية «البطولية» الفريدة من نوعها؟ لا يعلمون عنها شيئاً، ولا يريدون، فكل ما يعنيهم في الأمر أن «السيد حسن نصر الله» له يد في الأمر، والسيد دائماً «منتصر»، واسمه مقرون بالعزة والكرامة والصمود، ومادام هو مَن تسبب في الافراج عنهم، فلابد أنهم «أبطال» ولابد أنهم «منتصرون»، وعودتهم «نصر» مؤزر لا ينكره إلا العملاء والخونة والانبطاحيون!

إليكم مختصر عن حكايات بعض «الأبطال» العائدين...

سمير القنطار، مواطن لبناني درزي من مواليد 1961، كان حتى إلقاء القبض عليه عضواً في منظمة «جبهة التحرير الفلسطينية»، وهو واحد من أعضاء الخلية التي قامت بعملية عنيفة في مدينة نهاريا يوم 21 أبريل 1979، ففي تلك الليلة تسللت خلية القنطار على متن زورق مطاطي إلى شواطئ نهاريا، وفي منتصف الليل اقتحموا منزل عائلة «هاران» فاحتجزوا الأب «داني هاران» عالم الذرة الإسرائيلي، وابنته الصغيرة التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها كرهينتين. بينما اختبأت الأم وطفلتها ابنة السنتين وجارة لهم في غرفة النوم، ثم أخذ الخاطفون الأب والطفلة نحو شاطئ البحر، ولكنوا فوجئوا أن قوات من الشرطة والجيش قد وصلت إلى المكان، فأطلق سمير القنطار النار على داني هاران من مسافة قريبة أمام عيني طفلته، ثم قتل الطفلة الصغيرة عينات (رغم أنه أنكر ذلك)، حيث هشم جمجمتها بمقبض بندقيته، في حين توفيت الطفلة الصغيرة الأخرى ابنة السنتين مختنقة، من جراء محاولات الأم المرتعبة كتم صوتها كي لا يكتشفهن الخاطفون، هذه يا سادة هي قصة سمير القنطار «البطولية»!

أما «الشهيدة» دلال المغربي التي وصلت جثتها من بين ما وصل من الجثث، فهي من مواليد 1958، قادت عملية أصبحت تعرف باسم «مذبحة الطريق الساحلي»، وقد جرت أحداثها عام 1978، ففي هذه العملية العنيفة قتل 37 مدنياً إسرائيلياً من أعمار مختلفة، صغاراً وكباراً، حيث تم اختطاف الباص الذي كانوا يستقلونه، وقد أطلقت «دلال المغربي» ومجموعتها النار على 37 راكباً من ركاب الباص المنكوب واحداً تلو الآخر!

هاتان العمليتان لا يمكن لأي عاقل أن يصنفهما أعمالا بطولية، فهما أقرب إلى الأعمال الإرهابية إن لم يكونا كذلك، مهما كانت المبررات والأسباب، فالأعمال الإرهابية لا جنسية لها، وكل إنسان ذي عقل وقلب سليم، يدينها ويحتقر مَن يقوم بها، سواء كان هذا الفاعل عربيا أو إسرائيليا أو من أي جنسية أخرى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار من استهدف مدنيين أبرياء ممن لا ذنب لهم «بطلاً»، واعتبار عودته «المظفرة» انتصاراً قومياً، إلا في خيالات بعض النفوس اليائسة والقلوب القاسية كالصخر، التي لا تساوي الروح البشرية عندها جناح بعوضة، وما أكثرهم في وطننا العربي، أولئك الباحثون عن أي انتصار «تعيس»، حتى لو كان تبادلاً للسجناء... وأي سجناء!