كوميديا نظيف في حل أزمة الرغيف

نشر في 18-07-2008
آخر تحديث 18-07-2008 | 00:00
 د. محمد لطفـي عادةً ما يطلق النقاد عبارة «كوميديا نظيفة» إذا كان النص الكوميدي خالياً من الإسفاف والابتذال، وقد تنسب الكوميديا إلى الفنان القائم بالعمل فنقول كوميديا «الريحاني» أو «مدبولي»... واليوم سنتحدث عن كوميديا الحوار الصحافي الذي قام ببطولته د. أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري، ونُشر على مدى يومين في إحدى الصحف المصرية.

فقد جاء الحوار أشبه ببيان وزاري تحدث فيه د. نظيف كما يشاء من دون أي حوار جدي أو مناقشة فعلية من جانب المحاور الصحافي لأمور في غاية الأهمية تمس الرأي العام المصري، تناولها د. نظيف باستفزاز كامل وسخرية وتشويه للحقائق... فجاء الحوار -البيان- أشبه بالكوميديا، ولكنها لم تُضحك أحداً.

تحدث الدكتور عن أزمة رغيف الخبز، وفاجأنا سيادته بأن الأزمة تعود أساساً إلى تحسُّن الرغيف، حسبما أخبر وزير التضامن ساخراً، أنه السبب في الأزمة، لأن الرغيف تحسن فزاد الإقبال عليه!

وفي موقع آخر من الحوار نفسه، قال إن هناك تسريباً في الدقيق المدعوم من جانب أصحاب المخابز... وصرح وزير التضامن نفسه، في أكثر من مقابلة سابقة، بأن هناك سوء استخدام للرغيف، واتهم المواطنين باستخدامه علفاً للطيور والماشية، فلا ندري مَن نصدق رئيس الوزراء الذي تحدث عن تحسن مستوى الرغيف، أم رئيس الوزراء الذي تحدث عن التسريب، أم وزير التضامن الذي اتهم المواطنين!

وفاجأنا الدكتور كذلك بنظرية «الإتاحة»، ذاكراً أن مشكلة رغيف الخبز «ثلاثية» تشمل السعر، والوزن، و«الإتاحة»... والإتاحة هنا تعني، من وجهة نظره، أن الرغيف موجود، ولكنه ليس متاحاً للجميع! فيا سيدي لو كان الرغيف متوافراً والإنتاج كافياً لأصبح متاحاً بصورة تلقائية، ولم تكن هناك مشكلة على الإطلاق، أما محاولة الهروب والتلاعب بالألفاظ. والحديث بأن الخبز موجود، ولكنه غير متاح، فهو أشبه بحديث الفقير لأولاده بأنه يمكنه شراء اللحم، ولكن ليست عنده شهية لأكله!

وبالنسبة إلى السعر، فقد ذكر أن السعر ثابت، ولكن فقط تمت إضافة ثمن كيس البلاستيك الذي يوضع فيه الخبز لضمان وصوله سليماً معافى إلى المواطنين (كيس ثمنه الفعلي 5 مليمات يصبح فجأة بعشرة قروش نتيجة خصم رغيفين من الكيس مثل دجاجة شيرين التي اشترتها بنصف جنيه ودفعت 10 جنيهات ثمناً لقفصها!).

ألا يعتبر هذا حديثاً كوميدياً لا يقبله عقل ولا منطق، والغريب أن السيد المحاور لم يحرك ساكناً، ولم يبدِ اعتراضاً أو مناقشة حقيقية، كأن الأمر لا يعنيه، أو أن وظيفته هي فقط الاستماع وتسجيل ما يذكره الدكتور رئيس الوزراء.

وعودة إلى الكوميديا في حديث نظيف فكان «الماستر سين»، أو المشهد الرئيس كما يقول النقاد، هو تصريح سيادته بأن تغيير وزن الرغيف مخالفة دستورية! ولا أدري ألا يفرِّق السيد رئيس الوزراء بين المخالفة الدستورية والجنحة المدنية؟ أم أنه يستهزئ بالدستور؟ أم انه يسخر من الشعب الذي لا يفهم؟ أم انه لا يحترم المحاوِر الذي لا يناقش؟ ولم يذكر لنا سيادته أي مادة في الدستور تلك التي تتحدث عن رغيف الخبز؟ أم تراه يسعى إلى مساواة وزن الرغيف بتوريث الحكم مثلاً... فكلاهما مخالفة دستورية.

لا أحب المقالات الطويلة، وأعلم سرعة نفاد صبر القارئ، ولكن ما باليد حيلة؛ فحديث سيادته طويل ومستفز، والمساحة «المتاحة» صغيرة! لذا سأضطر إلى إنهاء المقال بتعليق صغير عن مشكلة البطالة التي ذكر أنه تم حلها بنسبة كبيرة! وهنا أسأله سؤالا واحدا فقط: هل استمع إلى حديث الناجي الوحيد من حادث الهجرة غير الشرعية وقوله : إنه رغم ما شاهده كله من أهوال وعاشه من لحظات موت وهلع فإنه لن يتردد في تكرار التجربة إذا أتيحت له الفرصة؟!

فيا سيادة رئيس الوزراء : هل نجحتم فعلاً في حل مشكلة البطالة؟ أم نجحتم في دفع الشباب إلى الفرار من جنتكم الموعودة؟! وإن كان من تعليق أخير على المقال إجمالاً فكما يقول الإخوة اللبنانيون «هيك صحافة يلزمها هيك وزارة»... ولا عزاء للمواطن المصري.

back to top