في كتابٍ عن «الطبقة الوسطى في العالم العربي» أطلقه للتو أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الكويت الاستاذ الدكتور عبدالمالك التميمي، يختلط التحليل السياسي بنكهة الاقتصاد، ليخلص إلى حزمة من الاستنتاجات المهمة، ليس اهمها القول بأن حجم هذه الطبقة كبير، بل ويزداد تضخماً، وأن دورها شديد الأهمية في حياة المجتمعات العربية، سواء في الحاضر أو المستقبل.
والكتاب يزخر بالكثير من المعلومات والمقارنات والنتائج، وهو يحاول ان ينقل القارئ من التعميم الى التخصيص في عرض الاستدلالات، إذ أفرد جزءاً خاصاً بكل دولة عربية لعرض اوضاع الطبقة الوسطى في تلك الدولة، كما ينقل القارئ من التخصيص في عرض الحالات الى التوصل إلى نتائج عامة تصلح للانطباق على الكل «العربي» لا «الجزء» فقط.وقد نجح الكاتب في كتابه هذا، الذي يصل عدد صفحاته الى نحو 390 صفحة، في عرض قضايا الطبقة الوسطى السياسية والاقتصادية والاجتماعية بطريقة مشوقة تجذب القارئ الى متابعته دونما شعور بالكلل أو الملل.ولقد استوقفني في الجزء المتعلق بوضع الطبقة الوسطى في الكويت، البيانات التي ساقها الكاتب عن ظاهرة البطالة في الكويت. ولقد عبر الكاتب عن قناعته بأن اعداد العاطلين عن العمل من المواطنين والوافدين في الكويت هي اكبر بكثير من الارقام المعلنة.ويرى أنه من «اللافت للنظر ان حلولنا في معالجة مشكلات البطالة لدى الشباب قاصرة وغير جذرية، لا تعدو ان تكون مسكنات لأزمة تكاد تكون حقيقية. تقول الخطة الشاملة للشباب والفراغ أن 60% من المجتمع الكويتي، هم من الشباب، ومعظم الشباب من ابناء الطبقة الوسطى، وعدا استشراء الثقافة الاستهلاكية لدى هؤلاء الشباب، فإن كثيرا من المشكلات ناتج عن الفراغ والبطالة لديهم، مثل الاتجاه نحو التطرف والعنف والإرهاب وجرائم المخدرات والسرقة».ولقد أصاب المؤلف في دعوته الى معالجة استراتيجية لهذه المشكلة، التي لم تعد المسكنات المؤقتة التي طرحتها الخطة مثل استغلال وقت الفراغ من خلال اقامة انشطة رياضية وموسيقية والمساهمة في العمل التطوعي كافية لمعالجتها.وأتفق تماما مع هذا الرأي، فمشكلة الشباب في الكويت باتت قنبلة موقوتة يزداد حجمها يوما بعد آخر، وأصبحت معالجتها معالجة جذرية في مقدمة الأولويات، ولا شك أن توفير التسهيلات من اندية ومراكز تدريب وتسلية يمكن له ان يسهم في حل جانب من هذه المشكلة، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في غياب القيم والاسس السليمة لدى غالبية النشء الجديد، وهذه مشكلة ترتبت اساسا على ضعف وتراجع دور المنزل والمدرسة في التربية والتوجيه وتنمية الشخصية القويمة.ولا شك ان مشكلة الاستغلال الجيد لوقت الفراغ لا تتوقف عند حدود العاطلين عن العمل من الشباب، فالفراغ يعانيه آلاف الموظفين، الذين لا تعني وظائفهم انهم يعملون بالضرورة، بل هم في «فراغ» حتى اثناء الوقت الرسمي للدوام، فظاهرة البطالة المقنَّعة في مجتمع تعمل غالبية قواه العاملة في اجهزة حكومية ذات انتاجية ضعيفة، هي الوجه الآخر لهذا الفراغ.إن موضوعا كهذا يستحق ان يكون في مقدمة اهتمامات مرشحي مجلس الأمة، كما يستحق ان يكون على رأس اولويات الدولة بجميع اجهزتها ذات العلاقة.لقد سبقني والاستاذَ الدكتور التميمي، كثيرون ممن دقوا جرس كرة «الثلج» هذه، وأتمنى إن لم يصل صوته أن يصل صداه على الأقل إلى من يملك القرار.
مقالات
وجهة نظر : جرس البطالة والفراغ... الصوت والصدى!
20-04-2009