أميركا: من عولمة كلينتون وبوش إلى عالمية أوباما

نشر في 08-04-2009
آخر تحديث 08-04-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

يعتبر الحديث عن العولمة في نهاية القرن العشرين، حديثاً جديداً، فقد قال أنتوني جدينز Giddens في العام 1998 إن مصطلح العولمة قبل عشر سنوات من هذا التاريخ، لم يكن معروفاً في الغرب، في الأوساط الأكاديمية، أو في الأوساط الإعلامية. وأصبح المصطلح بعد عشر سنوات من تاريخ 1988 من مصطلح مجهول إلى مصطلح يتردد في كل مكان، في المجالات السياسية، والاقتصادية، والأكاديمية، والإعلامية.

لقد قادت أميركا العالم في التسعينيات من القرن الماضي، نحو العولمة، وإلغاء الحدود والسدود، في وجه الاقتصاد العالمي، وإنشاء الشركات الضخمة العابرة للقارات. وكان ذلك بعد حرب الخليج 1991، حين أنشأ بوش الأب التحالف الدولي، لطرد صدام حسين من الكويت. وقد تمَّ النجاح لهذه العملية، وخرج العالم بعدها بقناعة، أن العولمة العسكرية قد نجحت نجاحاً باهراً، فلماذا لا نأخذ بالعولمة الاقتصادية، التي قادها فيما بعد الحزب الجمهوري الأميركي وعلى رأسه كلينتون. فبدأ التعاون مع الصين اقتصادياً، وكانت نتيجة ذلك، أن أصبحت الصين هي المصنع الأميركي، وأميركا هي المستهلك الصيني، ونقلت معظم الشركات الأميركية الكبيرة مصانعها إلى الصين، ذات العمالة الرخيصة، والمنظمة، والماهرة، والمنتجة إنتاجاً باهراً، كما نرى الآن، من خلال سلعهم وبضائعهم المنتشرة في كل مكان من العالم.

- 2 -

لقد تمّت مقاومة العولمة في العالم العربي مقاومة شديدة، دون أن يفهم العالم العربي المعنى ذا المرمى البعيد من العولمة، ففي العالم العربي تيارات سياسية ودينية، تعتبر أن كل ما يأتي من أميركا ضار، وقبيح، ومؤذٍ للعرب، وأصبح الحديث عن العولمة في العالم العربي، في نهايـة القرن العشرين، أشبه ما يكون بالفزع الكبير الشامل، وكأنها قنبلة عظيمة الأثر أُلقيت في وسط العالم العربي، فانفجرت، وتناثرت شظاياها في كل مكان من العالم العربي، حتى الأمكنة التي لاتزال تعيش أنظمة القرون الوسطى سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، واقتصادياً. وما بين التطلع والتوجس، الترحيب والتحذير، الاستبشار والتخوف، التمجيد والاتهام، تعامل معظم ما كُتب وجُلَّ ما قيل عن العولمة، وكأنها مفاجأة سقطت على التاريخ من خارجه.

- 3 -

وكانت العولمة- باعتبارها مبادرة أميركية– على هذا الأساس، منبوذة، ومحتقرة، ومتهمة عدة اتهامات في العالم العربي، منها: أن العولمة هي الاسم الحركي للأمركة. وأن العولمة علاقات دولية، تحكمها شريعة الغاب في عالم الغاب. وأن العولمة مشروع أميركي تدميري... الخ.

ورغم هذا كله، وجدنا أن العولمة هي الحاجة الطبيعية لإنسان القرن الحادي والعشرين. وأصبحنا– بفضل العولمة- نستهلك في العالم العربي منتجات أميركية، صُنعت في الصين، وجيء بموادها الأولية من الشرق الأوسط، أو من جنوب شرق آسيا، وبطاقة نفطية عراقية، وليبية، وجزائرية، وخليجية.

- 4 -

في عهد الرئيس أوباما، نرى أن أميركا بدأت تتحرك نحو وحدة القرار، والهدف، والعمل العالمي، وقد اتضح ذلك من خلال نجاح قمة العشرين في لندن في 2/4/2009، واكتشفت أميركا في عهد جورج بوش الابن أن أميركا ليست دولة كبرى وقوة عظمى بذاتها، وإنما هي قوة عظمى ودولة كبرى بتحالفها مع العالم، بما فيهم أعداؤها ككوريا الشمالية، وإيران، وسورية وغيرهم. وأن أميركا أمٌ رؤوم، وأبٌ مسؤول عن العالم كله، وذلك باتفاقها مع هذا العالم، وبوحدتها الاقتصادية، والعسكرية مع هذا العالم. وعندما تسعُل أميركا، فإن العالم كله يصاب بالإنفلوانزا الشديدة، كما يقال، وقد تأكد ذلك في الأزمة المالية الحالية، التي اجتاحت أميركا في أواخر عام 2008 ومازالت حتى الآن. وكان تأثيرها وتداعياتها في العالم كبيراً.

وقال أوباما بهذا الصدد، بمناسبة انعقاد قمة مجموعة العشرين في لندن: «لقد تعلمنا أن نجاح الاقتصاد الأميركي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد العالمي، فلا يوجد خط فاصل بين إجراء يستعيد نماءنا داخل حدودنا، وإجراء يدعم ذلك النماء خارج حدودنا. وإذا كان المواطنون في بلاد أخرى يعجزون عن الإنفاق، فإن ذلك يعني أن الأسواق سوف تنضب، وقد شهدنا بالفعل، أكبر تراجع في الصادرات الأميركية، خلال أربعة عقود تقريباً، وهو الأمر الذي أدى- بصورة مباشرة- إلى خسائر في الوظائف داخل الولايات المتحدة».

ومن أجل ذلك، أصبحت إدارة أوباما تمدُّ يد التعاون إلى العدو والصديق على السواء. فأميركا الآن في عدة مآزق، ومتورطة عسكرياً واقتصادياً، ولن تخرج من مآزقها وورطاتها، إلا بالتعاون مع العالم، الذي يأخذ ويعطي أميركا، كما لا يحصل مع أي بلد آخر.

- 5 -

إذن، لقد انتقلت أميركا في عهد أوباما، من مرحلة العولمة إلى مرحلة العالمية. والعالمية التي يدعو إليها أوباما، ليست هي ما قرأناه في كتب الاقتصاديين والسياسيين اليساريين السابقين، من أنها ذات مبدأ لغزو الشعوب والاستيلاء على الأراضي، وإذلال الناس باسم الشعوب، وإنما هي- بمفهوم أوباما– تتحدد في الإجراءات التالية، انطلاقاً من قمة لندن للدول العشرين:

1- التعامل بجرأة، من أجل انتشال الاقتصاد الأميركي من الأزمة، وإصلاح نظام الرقابة الأميركي. وهذه الإجراءات سوف يعززها إجراء تكميلي في الخارج.

2- يجب أن تبدأ الجهود بإجراء سريع لتنشيط النمو. ولقد قامت أميركا بالفعل بتمرير قانون الإنعاش الأميركي، وإعادة الاستثمار. ويجب تنشيط هذه الجهود والمحافظة على استدامتها، حتى يعود الطلب إلى ما كان عليه. ويجب أن تقوم أميركا بتعزيز التجارة المفتوحة والاستثمار، مع الوقوف ضد مذهب حماية المنتج الوطني، الذي سوف يعزز من الأزمة.

3- ستعمل أميركا بجرأة لتحقيق الاستقرار في نظامنا المالي. ويتضمن ذلك تقييماً صادقاً لميزانيات البنوك الكبرى، ويجب المضي في هذا الاتجاه وتوسيعه بإجراءات يتخذها شركاء أميركا في مجموعة العشرين.

4- لدى أميركا التزام اقتصادي وأمني وأخلاقي، لمدِّ يد العون إلى الدول والشعوب التي تواجه المخاطر الكبرى. وعلى مجموعة العشرين أن تُعبّئ مواردها بسرعة، لتحقيق الاستقرار في الأسواق الناشئة، مع دعم صندوق النقد الدولي.

5- سوف تقوم أميركا بدعم استثمارات جديدة، لها أهداف في مجال الأمن الغذائي، الذي من شأنه أن يساعد الفقراء على مواجهة الأيام الصعبة التي سوف تأتي. ورغم أن هذه الإجراءات يمكن أن تساعد أميركا على الخروج من الأزمة، فإنه يجب أن لا تقبل أميركا الرجوع إلى الوضع الراهن.

6- يجب وضع نهاية لعمليات المضاربة الطائشة والإنفاق الذي يتجاوز طاقة أميركا، والائتمان السيئ وغياب الرقابة، حيث إن ذلك يجلب على أميركا فقاعات سوف تنفجر حتماً.

7- وأخيراً، تحتاج جميع مؤسسات أميركا المالية، داخل وول ستريت، وفي مختلف أنحاء العالم، إلى رقابة قوية وقواعد حكيمة في عملها، ويجب أن تكون هناك معايير للاستقرار، وآلية للإفصاح داخل جميع الأسواق.

وتلك كلها معالم المنهاج العالمي الأميركي، الذي سيقوده أوباما في السنوات الثلاث المقبلة من ولايته.

فهل سينجح في تحقيق هذه الأحلام الصعبة؟

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top