بإعلان نتائج انتخابات 2009 أمس، تبدلت وجهة وتركيبة الكيان السياسي الكويتي، بحدث تاريخي انتخبت فيه أربع سيدات للمرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية، وفي زمن قياسي لم يتجاوز أربع سنوات منذ حصول المرأة على حقوقها السياسية كاملة، كما وجَّه الناخبون رسالة قوية المضمون لقوى الإسلام السياسي تعكس تراجع قدرتهم على الهيمنة على قرار الأغلبية من الوعاء الانتخابي بسقوط رموز «حدس» كافة (الإخوان المسلمين) وبقاء ممثل وحيد لهم ارتكز نجاحه على اعتبارات اجتماعية، فيما انحسر التمثيل السلفي وتراجعت مواقع الناجحين منهم بشدة كما كان حال الأصولية الشيعية السياسية في الدائرة الأولى.
***الملاحظة المفرحة والمطمئنة التي تبشر بالخير تمثلت في تمسك المجتمع الكويتي بوحدته الوطنية، والتي كانت واضحة للعين الفاحصة والمحللة للأرقام والنتائج في الدوائر الثلاث الأولى، فالرقم الذي حصلت عليه د.معصومة المبارك وسيد حسين القلاف في الدائرة الأولى يثبت أن الحضر السنة صوَّتوا لهما بكثافة مكنتهما من حصد هذه الأرقام العالية، كما أن الرقم الذي حصلت عليه د. رولا دشتي في الدائرة الثالثة يثبت الاستناج نفسه، خصوصا إذا قورنت مع زميلها في الدائرة المرشح هشام البغلي الذي لم يحالفه النجاح.هذه القراءة للأرقام والمواقف تملأ قلوبنا بالغبطة ونفوسنا بالسكينة بأن هناك مَن هو مصمم على الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي للوطن، وتحكيم عقله وضميره الوطني في الاختيار وتحييده لكل الأصوات الشاذة الطائفية.***ولاشك أن رسالة الناخبين كانت صادمة ومدوية لـ»حدس» والسلف في ضوء الأرقام المسجلة والتي أدت إلى إقصاء الأولى تقريبا من البرلمان وتراجع تمثيل الثانية فيه بشكل لافت، فالناخبون قالوا لهم، بشكل ما، إن هالتكم المقدسة تتآكل وتتلاشى، وإن أداءكم غير مقبول بسبب تلاعبكم واستخفافكم بالدين عبر فتاوى تتعلق بالشأن المعيشي مثل شراء مديونيات المواطنين، والتشكيك في عقيدة الناس عبر الدسائس، وقد كان أبلغ رد عليها هو ما حصلت عليه المرشحة د. أسيل العوضي من أصوات، كما أن خوض الإسلاميين المعارك نيابة عن الحكومة في القضايا التي تمس حاجات المواطنين كان لها ثمن باهظ على الحدسيين والسلفيين، كما أن أغلبية مَن سعى إلى المواجهة والتصعيد من التيارات الإسلامية في الأغلب قد فقد مقعده أو تراجع مجموع الأصوات التي حصل عليها وترتيبه بشدة.***اقتراب مجموع الأصوات التي حصل عليها مرشح الدائرة الثالثة محمد الجويهل من ثلاثة آلاف وخمسمئة صوت له مدلولات لافتة، أهمها أن استمرار بقاء النواب ذوي الطرح المناطقي القبلي داخل «قاعة عبدالله السالم»، سيقود الحضر إلى أطروحات أخرى مشابهة والتفاعل معها بمنح أصواتهم لأصحابها بنسب تتصاعد بشكل لافت.***وفي أعقاب ليلة انتخابية طويلة ومرهقة للجميع، كانت تلك النقاط هي أبرز الملاحظات التي اقتنصتها بعد ساعات قليلة من إعلان نتائج انتخابات مجلس الأمة الجديد، وإن كانت هناك معطيات ودلالات كثيرة ستحتاج مزيداً من الوقت لبحثها ودرسها من أجل استقراء ملامح وتوجهات المرحلة السياسية المقبلة.
مقالات
رولا ومعصومة... الحضر السنة... وحدة وطنية
18-05-2009