كل ما يجري في باكستان من عنف يستهدف أساساً هيبة الدولة من خلال استهداف مؤسساتها وأجهزتها الأمنية وجيشها، يشير الى ان انقلاباً عسكرياً اقترب من نهاية الطريق، وأن الجيش الذي هو صمام الأمان في هذه الدولة التي وجودها ضروري وتسلحها النووي حاجة ماسة، سيضطر، وكالعادة، الى السيطرة على مقاليد الأمور وفرض الأمن والاستقرار بالقوة، والمجيء برئيس لم يتخرج في "أكاديميات البزنس" والفساد والصفقات السرية والعلنية المشبوهة.

Ad

عندما أنشأ "القائد المظفر" محمد علي جناح هذه الدولة رغم توسلات المهاتما غاندي ورجاء جواهر لال نهرو، كان يعتقد بالتأكيد ان تكون هذه الدولة دولة ديمقراطية تتداول أحزابها على السلطة من خلال الانتخابات وعلى أساس البرامج، وأن تكون إن ليس أنموذجاً آخر عن بريطانيا وديمقراطيتها العريقة وأحزابها وبرلمانها، فعلى الأقل أنموذجاً عن الهند التي لم يقع فيها انقلاب واحد على مدى نحو ستين عاماً منذ استقلالها.

من انقلاب الى انقلاب ولعل أسوأ ما في هذه التجربة الباكستانية المؤلمة هو الدموية المبالغ فيها جداً في حـل الخلافات والاختلافات، وهو ان الاحتكام الى العنف قد قضى على "علي ذو الفقار بوتو" وعلى عائلته كلها وآخرها بني نظير (بلا نظير) التي خلَّفت لزوجها تركة لم يكن يحلم بها، ومن الواضح أنه قد لا يستطيع المحافظة عليها.

رفض الجنرال ضياء الحق إنزال (ذو الفقار علي بوتو) عـــن حبل المشنقة رغم "توسطات" عدد كبير من زعماء العالم وقادته، وكانت النتيجة انه شرب من الكأس ذاتها التي شرب منها رئيس الوزراء المغدور، الذي لُفِّقتْ له التهمة التي دفع حياته ثمناً لها، وأنه قضى بانفجار في طائرته، بينما كان عائداً من زيارة الى مدينة "كويتا" عاصمة مقاطعة بلوشستان التي كانت ولا تزال مركزاً لواحدة من أهم كليات الأركان في العالم.

هناك الآن في باكستان، التي هي أقرب الدول الإسلامية الى قلوب العرب كلهم، مراكز قوى متعددة وكل مركز قوى يشكل، وللأسف، دولة داخل الدولة، فهناك التنظيمات الإسلامية التي مع الوقت تحولت الى سرطان يأكل جسم هذه الدولة، وهناك الأجهزة الأمنية التي يتهمها الأميركيون بالتورط في علاقات مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهناك تجار المخدرات وهناك الرئيس آصف علي زرداري وحزبه حزب الشعب الذي ورثه عن زوجته الراحلة "بلا نظير"، وهناك معارضة نواز شريف، وهناك الجيش الذي هو الصامت الأكبر، والذي من المتوقع ان يتحرك في أي لحظة لحسم الأمور كما كان حسمها مـرات عدة.

لن يسمح الجيش، الذي هو المؤتمن على هذه الدولة التي تواجه تحديات كثيرة وأعداء كُثراً، أن تقع ترسانة الأسلحة النووية في يد تنظيمات التطرف التي، وللأسف، تحمل أسماء إسلامية، وأن تتمزق باكستان أكثر مما هي ممزقة الآن، وهذا معناه ان الانقلاب العسكري بات على الأبواب، وأن "برويز مشرف" آخر سيبرز... لكن يبقى حتى لا تتكرر كل التجارب المريرة السابقة أنه لابد في نهاية الأمر وبعد استقرار الأوضاع ان يسلم العسكريون الأمانة الى تجربة ديمقراطية حقيقية تضمن لهذا البلد العظيم وضعاً كوضع الهند، حيث تتناوب الأحزاب على السلطة، وحيث التجربة الناجحة تصهر أمماً وأدياناً ومذاهب ما كان من الممكن ان تبقى متعايشة وموحدة لولا هذه التجربة.