Ad

حتى لا تتضخم وتتعقد المشكلة أكثر إلى الحد الذي نجد فيه أنفسنا أمام كارثة تعليمية تسمى الشهادات «المضروبة» أو التعليم العالي متدني الجودة، يتعين علينا إنشاء هيئة مستقلة للاعتماد الأكاديمي، يرتكز دورها على اعتماد البرامج الأكاديمية للجامعات العربية والأجنبية وللجامعات الخاصة المحلية أيضاً،

أثير خلال الأسابيع القليلة الماضية موضوع في غاية الأهمية، وهو الشهادات «المضروبة» التي تمنحها بعض الجامعات العربية والأجنبية. وقد دار الحديث بشأن قضيتين أساسيتين هما: العدد الهائل والمتزايد لطلبتنا في الخارج، خصوصاً الذين يتلقون التعليم على حسابهم الخاص، وقضية المستوى المتدني لبعض الجامعات العربية والأجنبية.

ففي القضية الأولى، اتضح من تصريحات رئيس اللجنة التعليمية في مجلس الأمة النائب الفاضل د. فيصل المسلم أن هنالك حوالي أربعين ألف طالب كويتي يدرسون في الخارج، منهم ستة عشر ألفاً تقريباً في مصر، وستة آلاف في مملكة البحرين. أما في ما يتعلق بالمستوى المتدني لعدد من الجامعات الخارجية فقد تبين أن بعضها يمنح شهادات «مضروبة»، أو لنقل تبيع شهادات لمَنْ يدفع مالاً، وبعضها الآخر يمنح شهادات بمجرد دفع الرسوم الدراسية، ولم يتم تحديد جامعة بعينها لحساسية الموضوع. ورغم الاجتماعات المتتالية التي عقدتها اللجنة التعليمية في مجلس الأمة مع وزيرة التربية وزيرة التعليم العالي ومسؤولي الوزارة للوقوف على خلفيات هاتين المشكلتين وإيجاد الحلول المناسبة لهما، فإن الحلول التي توصلت إليها هذه الاجتماعات لم تكن، بكل أسف، حلولاً جذرية، إنما خرجت ببعض المسكنات المؤقتة كوقف الالتحاق الجديد ببعض هذه الجامعات.

وهذه المسكنات المؤقتة لن تكون هي الحل السحري لمشكلة الشهادات «المضروبة» أو التعليم الرديء، إذ سرعان ما ستعاود هذه المشكلة بروزها مجدداً بصورة حتمية وبشكل أكثر حدة، مالم نتدارك الأمر وبسرعة، إذ لا يمكن للدولة أن تمنع أي طالب من الدراسة في أي مكان في العالم وفي أي جامعة يختار ما دام على نفقته الخاصة.

لكن في المقابل، فإن للدولة أن تضع شروطاً محددة للشهادات التي تعترف بها. وفي الأحوال كلها، فإنه من الظلم أن نحمّل وزارة التعليم العالي وحدها وزر ما حصل، لأن المشكلة أكبر من طاقة الوزارة، خصوصاً إذا عرفنا مقدار الجهود الجبارة التي يقوم بها العاملون كافة بالوزارة، لاسيما في قطاعي البعثات ومعادلة الشهادات للإشراف على الطلبة الخاصين ومعادلة شهادات هذا العدد الضخم منهم الذي يزداد كماً ونوعاً عاماً بعد آخر، وتزداد معه أعداد الجامعات الخاصة التي تحوّل بعضها، للأسف الشديد، إلى «سوبر ماركت» في ظل غياب رقابة جادة تقوم بها جهات مستقلة للاعتماد الأكاديمي. هذه الجهود الطيبة يقوم بها العاملون في الوزارة رغم قلة الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لهم، ورغم تحملهم لضغوط العمل الهائلة وقلة الحوافز المعنوية والمادية والبيروقراطية الحكومية القاتلة التي تقتل روح الإبداع، فضلاً عن التدخلات اليومية المستمرة لبعض أعضاء مجلس الأمة.

وحتى لا يتكرر ما حصل، أو لنقل حتى لا تتضخم وتتعقد المشكلة أكثر إلى الحد الذي نجد فيه أنفسنا أمام كارثة تعليمية تسمى الشهادات «المضروبة» أو التعليم العالي متدني الجودة، يتعين علينا إنشاء هيئة مستقلة للاعتماد الأكاديمي، يرتكز دورها على اعتماد البرامج الأكاديمية للجامعات العربية والأجنبية وللجامعات الخاصة المحلية أيضاً، وتتم معادلة الشهادات العلمية التي تصدرها هذه الجامعات بحسب معايير الاعتماد الأكاديمي التي ربما تتغير بصفة دورية إثر عمليات التقييم المستمر للبرامج العلمية المختلفة التي تقدمها هذه الجامعات. وما على وزارة التعليم العالي والدارسين على حسابهم الخاص بعد ذلك سوى الالتزام بالمعايير الأكاديمية التي تعتمدها وتعلنها بكل شفافية هيئة الاعتماد الأكاديمي. أما مَنْ أراد أن يدرس «من حر ماله» في جامعة خارجية غير معتمدة من قِبل هذه الهيئة، فعليه بعد ذلك، أن يتحمّل نتائج قراره الشخصي.