صلح وجهك لا تكسر المرآة !
يقول الشاعر الإيراني الكبير سعدي الشيرازي:إذا ما عكست المرآة قبح وجهك صلح وجهك لا تكسر المرآة
إنه الكلام الذي ينطبق اليوم أكثر ما ينطبق على دول الغرب مجتمعة، ومعها المؤسسات الدولية المخطوفة من قبل الدول العظمى المهيمنة في سلوكها على دولنا ومجتمعاتنا وقضايانا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية مقابل الدعم المطلق واللامحدود للدولة العنصرية المسماة بدولة إسرائيل.وهي المقاربة التي وردت فيما استمعنا إليه من مطالعة جريئة وشجاعة من الرئيس الإيراني خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تحدث عن اللحظة التاريخية التي وصل اليها العالم، والقاضية بضرورة أن يقصّر الغرب هذا من لسانه الطويل، مقابل أن يوسع أذنه ليستمع أكثر على حد قول أحمدي نجاد، بعد أن تمادى خلال العقود الماضية في الكلام الأحادي صاما آذانه عن سماع الآخر، مانعا إياه من الكلام، وهو يطبق مقولة إن التاريخ يكتبه المنتصرون في الحرب ويضع معايير الحكم على مساراتها الرابحون لها.وهكذا كان الأمر كذلك عندما ذكرهم قبلها بمدة وجيزة ومن جنيف، بماضيهم المخزي والمسيء إلى شعب بأكمله، بل لأمة بأكملها، وذلك عندما ذكرهم بفاجعة العصر الكبرى أي الاستيلاء على أرض فلسطين بقوة الاغتصاب والقهر والتحايل والتحريف والخداع من قبل مجاميع من شذاذ الآفاق غطتهم قوى الغرب الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.فكان أن ذهلوا بل ارتعبوا أيضا، وهم يستمعون إليه شارحا وقائع التاريخ غير القابلة للإنكار، أو عندما وضع المرآة أمام أوجههم فقط لا غير، كما عبر في مطالعته التي قدمها من دمشق، فما كان منهم إلا أن خرجوا وغادروا قاعة الندوة العالمية زرافات ووحدانا مؤكدين بذلك أنهم لا يتحملون رأيا مخالفا لرأيهم، وأنهم يكذبون عندما يزعمون بأنهم من مدرسة الرأي والرأي الآخر.إنها المواجهة الكلامية المفتوحة إذن، التي رصدها العالم بين الصوت الذي مثل مجتمع الجنوب المقهور لعقود طويلة مقابل جمهرة كبيرة من ممثلي المجتمع الغربي المنتمي إلى معسكر الشمال، وهو المعسكر المدعي لحرية التعبير وحرية الرأي والرأي الآخر، وهي المواجهة التي شهد العالم بعض فصولها على الهواء مباشرة على هامش قمة ديربان الثانية لمناهضة العنصرية التي انعقدت في جنيف، حيث كانت الفضيحة الكبرى لأدعياء مقولة نهاية التاريخ وأدعياء الحرية والتقدم والدفاع عن حقوق الإنسان وأدعياء ضرورة دمقرطة العالم «المتخلف» كما يصفون مجتمعاتنا وضرورة إلحاقه بركب الحضارة الإنسانية التقدمية والحرة كما يروجون. وهي المكاشفة الكلامية التي حاولت أن تعكس جزءا يسيرا مما جرى يوما في فلسطين ومازال يجري عليها حتى الآن، وبشكل يومي لا ينقطع بين قطعات وجحافل قوات الاحتلال الصهيونية المشؤومة فوق تلك الأرض المغتصبة، إلى جانب ما يحصل من كوارث ومآس يومية في كل من العراق وأفغانستان، اللذين أضيفت إليهما الباكستان التي لا تقل بشاعة عن مآسي إخوتهم الفلسطينيين تحت علم وراية الحرية المزورة والكاذبة منذ نحو ست أو سبع سنوات.حتى بابا الفاتيكان الذي توقع العالم الإسلامي منه اعتذاراً ولو شكليا عما صدر عنه من اتهام مجحف وكلام مسف بحق ديننا ونبينا ورسالتنا المسالمة للعالم، فإنه فضل وهو يبدأ زيارته للعالم الإسلامي من الأردن أن يعلن العلاقة الحميمة بين الفاتيكان واليهود وضرورة المصالحة التاريخية بين الكاثوليكية واليهودية، وكأنه يتكلم في عصر وقرن لا علاقة له بكل الذي جرى ويجري يوميا في هذه البقعة المذبوحة من العالم على أيدي الصهاينة وأسيادهم الغربيين على مدى ما لا يقل عن ستة عقود متتالية كحد أدنى، وباسم اليهودية بالذات، وهو ما يفترض أن يكون قد سمعه ورآه متجددا أيضا على مرمى البصر من موقع خطابه المبجل.فهل ثمة من منطق يبقى صامدا لمن يأخذون على أحمدي نجاد وأمثاله في المكاشفة المفتوحة التي اختاروها مع هذا الغربي المتجبر، والتي هي ليست سوى وضع المرآة أمام أوجههم الملطخة بوحول جحافل جيوشهم المغتصبة للأرض والحقوق لا أكثر؟! وإذا ما ارتعب أرباب تلك الفظائع وأسياد مرتكبيها وذهلوا مما رأوا فقد يكون ذلك من حقهم لأن ما رأوه في المرآة فعلا مرعب، لكن المستغرب هو ذلك الاحتجاج المستمر من بعض أبناء جلدتنا على مثل هذه المكاشفة، وهم الذين يفترض أن يكونوا إلى جانب المظلوم والشاهد والشهيد على ظلم أولئك الجبابرة والعتاة.في كل الأحوال فإن سياقات حركة التاريخ تقترب شيئا فشيئا من فعل استعادة زمام المبادرة من قبل المظلوم، وإذا ما بقي من بصيص أمل لمن يريد التوبة وتصحيح الموقف قبل حلول ساعة الجزاء والعقاب التاريخي الثقيل فما عليه إلا أن يصلح قبح وجهه فعلا لا أن يكسر المرآة التي لا ذنب لها إلا أنها تكشفه على حقيقته.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء