-1-

Ad

أثار ويثير موضوع الإسلام والديمقراطية، جدلاً طويلاً بين السلفيين الإسلاميين، وبين الإسلاميين المتنورين العصريين الذين يقودون ثورة سياسية واجتماعية من قلب الإسلام، ومثالهم الأعظم الحبيب بورقيبة.

والخلاف الناشب بين الفريقين يتركز حول نقطتين أساسيتين:

الأولى: هل الديمقراطية بالمنطق الإسلامي السياسي هي الشورى، التي نصَّ عليها القرآن بنعومة شديدة؟

الثانية: هل الشورى (الديمقراطية الإسلامية) مُلزمة للحاكم، أم أنها اختيارية، يستطيع الحاكم أن يأخذ بها، أو يدعها دون إلزام؟

دعونا نعقد مقارنة بين الديمقراطية الغربية، ونظام الشورى في الإسلام، من حيث نظرية العقد السياسي عند كل منهما، ومن حيث نظرية السيادة في الديمقراطية الغربية وفي النظام السياسي في الإسلام، ومن حيث الفهم الغربي للحرية والفهم الإسلامي للحرية، وأخيراً من حيث عملية الانتخاب العام في كل من النظامين، لكي نستطيع أن نحكم أخيراً، ونخلص إلى نتيجة هل الشورى في الإسلام هي الديمقراطية التي عرفها الغرب، أم أن هناك نقاط تنافر وتكامل؟

-2-

من المعروف تاريخياً، أن الثورة الفرنسية هي التي وضعت أساس الديمقراطية الغربية المتعارف عليها الآن، وكانت نظرية العقد السياسي حجر الزاوية الرئيسي في هذا الأساس. فروسو رأى أن العقد السياسي قد قام بين الشعب ونفسه كأفراد ثم كجماعة، ونزل الأفراد عن بعض حرياتهم لهيئة جماعية، ونصوص العقد السياسي في الإسلام جاءت بكثير مما قاله روسو، فالفكر السياسي الإسلامي قد اعتمد على فكرة العقد أو الاتفاق لإنشاء الدولة (الإمامة عقد). وأن البيعة هي أسلوب عقده. ويصف العلامة السنهوري البيعة بأنها عقد حقيقي مستوف لأركان العقد. فمبناه الرضا، وأطرافه الإمام والأمة، وموضوعه توكيل الإمام أو نيابته عن الأمة في تصريف أمورها. والسيادة في الفكر الغربي، تعني إرادة الشعب، كركن أساسي من أركان الديمقراطية الغربية، والسيادة في الفكر السياسي الإسلامي محدودة من جانب واحد، ومطلقة من جانب آخر، ففي الجانب الأول يحدها القرآن والسنة، وفي الجانب الثاني مطلقة حيث ترك القرآن والسُنَّة استنباط الأحكام القادرة على استيعاب المشاكل. والحرية في النظام الديمقراطي تمارس من قبل الفرد باعتباره عضواً في هيئة من الهيئات، وهو يمارس حقه السياسي دون أن تظهر شخصية فيه، في حين أن الحرية في الفكر السياسي الإسلامي، تعني استعمال حق الفرد السياسي استعمالاً مطلقاً غير مشروط.

وتلتقي الشورى الإسلامية مع الديمقراطية الغربية بوجوب عدم جواز تولّي أمر السلطة لمن يخالف عقيدة الأمة ولا يلتزم بمنهجها.

ويحدد المصلح الديني والسياسي المصري الشيخ الأزهري خالد محمد خالد (1920- 1997) مفهومه للديمقراطية الإسلامية على النحو التالي:

1- يقول ابن تيمية في الجزء الخامس من فتاواه: «ليس لأحد من الناس أن يلزم الناس، ويوجب عليهم إلا ما أوجبه الله ورسوله، فمن أوجب ما لم يوجبه الله ورسوله، وحرم ما لم يحرمه الله ورسوله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله».

• فهل حرّم الله أن تختار الأمة حكامها، وأن تنزع منهم ثقتها، وبيعتها، إذا خانوا الأمانة؟

• وهل حرّم الله أن تختار الأمة بالاقتراع الحر نواباً عنها يمثلونها في برلمان حر، يحمي حقوقها، ويراقب تصرفات الحاكم، ويشارك مشاركة فعالة في اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية؟

• وهل حرّم الله أن تنهض في الشعب مؤسسات سياسية، تتنافس في خدمته، وتسهم في رقي وعيه السياسي؟

• وهل حرّم الله المعارضة البرلمانية، والصحافة الحرة، والقضاء النزيه؟ هذه هي الشورى، وهذه هي الديمقراطية الملزمة للحاكم.

2- وحتى لو شككنا بإلزام الإسلام للحاكم بالشورى، فإن الإمام الطوخي الحنبلي يقول: إذا تعارض النص مع المصلحة قُدمت المصلحة على النص.

فقيل له: هذا افتئات على النص! فقال: بل هو تحقيق وتنفيذ للنص، لأن إقامة المصالح العامة للناس، من أهم أغراض الشريعة والنص.

إن إلزام الحاكم بالشورى إقامة للمصالح العامة للناس، وهو من أغراض الشريعة.

-3-

أما المسلمون الذين يقولون بأن الشورى غير ملزمة للحاكم، فإنهم يسوقون الحجج التالية:

1- أن الله تعالى حين قال: ﴿وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ (آل عمران:159) كان يعني أن الأمر متروك في نهاية المطاف للنبي عليه السلام، إن شاء أن يأخذ بما أشير إليه، كان له ذلك، وإن شاء ألا يأخذ به، لعدم اقتناعه، فله أن يمضي فيما عزم عليه من رأي.

2- أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قد أمضى الصلح مع قريش بالرغم من معارضة المسلمين الشديدة في أمور عديدة منها استهلال عقد الصلح بالبسملة، مخالفة المسلمين للنبي في أمره لهم بالحلق والنحر، بعد إبرام الصلح، وعدم الاستجابة لطلبه، إلا بعد أن رأوه يفعل ذلك. وهذا دليل على مخالفة الرسول لرأي الأكثرية، وعدم إلزامية المشورة للحاكم أو الإمام.

ولكن هناك ردوداً مختلفة على هذه المقولة منها:

• أن مبدأ الأكثرية معروف في الإسلام لقول أبي حامد الغزالي: «الكثرة أقوى مسلكاً من مسالك الترجيح».

وقول ابن تيمية: «إن أبا بكر صار إماماً بمبايعة جمهور الصحابة».

ويروي الماوردي أنه «إذا اختلف أهل المسجد في اختيار إمام، عمل على قول الأكثرية».

ويقول علماء الأصول: «الكثرة حجة». فهل ينتهي الجدل أخيراً لمصلحة الديمقراطية، التي هي قدر الشعوب، وليست خياراً؟

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء