«إن شاء الله ترجع أيامنا الحلوة».

Ad

الكثير من شعوب الدول العربية، يردد هذه الجملة بصيغة التمني. وربما هذا يفسر جزءاً كبيراً من الوضع المزري والمؤلم الذي يعيشه المواطن العربي. نحن شعوب، بسبب من تعاسة وسواد وجنون اللحظة التي نحيا، نتحسر على أيامنا الماضية، بأكثر مما نشتاق ونأمل في القادم من الأيام. نحن شعوب قلوبنا معلقة في ذكريات الماضي، التي تبدو جميلة مقارنة بأحوال اللحظة الراهنة المظلمة، بأكثر مما تنظر عيوننا إلى القادم. نحن شعوب، نفرط في معيشة الحاضر، متحسرين على حياة ماض انقضى.

إن الشعوب المتقدمة، هي الشعوب التي ترى في الماضي معبراً وصلت من خلاله إلى الحاضر. وتشق طريقها في الحاضر، مستفيدة من دروس الماضي، متسلحة بحلم كبير لمستقبل زاهٍ. إن التجربة البشرية تظهر، بشكل جلي، أن إنسان اليوم هو امتداد لإنسان الأمس. وأن بناء اليوم يعتمد على أساسات الأمس. وأن جيل اليوم يكمل مسيرة الأجيال السابقة. يأخذ منها أنبل وأجمل وأفضل ما كان فيها، ويحسّنه ويعصرنه ويضيف إليه روحاً جديدة، ويبني عليه صروحاً تصلح للحظة الراهنة، وتحاكي عوالم اليوم بلغتها وعجلتها.

ربما أجد تفسيراً لحال البعض، ممن يتمنى لو كان يومه الراهن مثل أمسه، لكنني أقف حائراً أمام بعضٍ آخر يعيش لحظة متطورة وزاهية ومنعمة، ومع هذا يصرّ على أن يظل يردد مقولة: «الأمس الجميل».

متعامياً عن جمال اليوم، ومهملاً تقدم اليوم، ومتلاهياً عن السرعة التي يركض بها قطار اليوم، الذي يأبى التوقف والتملي في ما مضى وولى.

إن الظرف السياسي والعسكري والاجتماعي، للتاريخ الحديث، الذي عاشته شعوب منطقتنا العربية منذ بدايات القرين العشرين، كان ظرفاً قاسياً مليئاً بالمحن والحروب والقتل والدم، لذا دفعت شعوب هذه المنطقة، أجمل شبابها وقوداً للموت المجاني، ولهذا ظلت تدفع ثمنا باهظاً على حساب حياتها السياسية والاجتماعية والفكرية والأدبية. لكن، هناك شعوبا في منطقتنا العربية، استطاعت أن تبني مجتمعات جديدة، تقدم وجهاً مشرقاً لحاضر زاه، وكم سيكون جميلاً لو أن باقي الشعوب العربية كان لها النصيب نفسه.

إن البكاء على الماضي، يحمل دلالة كبيرة على التمسك بأنفاس الماضي، أكثر من معانقة هواء الحاضر، وقد يكون هذا مقبولاً لو كانت حياة الماضي أكثر تطوراً وإشراقاً وأمناً ورخاءً من حياة الحاضر، أما أن يكون الأمر خلاف ذلك، فهذا معناه السير إلى الأمام رجوعاً بظهورنا، وما أصعبه من مشي، وما أعماه؟