مفتاح الاستقرار في جنوب آسيا

نشر في 20-02-2009
آخر تحديث 20-02-2009 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت إن قِلة من مناطق العالم تواجه مثل هذه المجموعة المروعة من التحديات التي تواجهها منطقة جنوب آسيا. فالتمرد الذي تغذيه تجارة المخدرات يهدد أفغانستان التي تحولت إلى الديمقراطية حديثاً. و«طالبان» التي انبعثت من جديد في مناطقها القَـبَلية زعزعت استقرار باكستان. والمذبحة الأخيرة التي شهدتها مدينة مومباي أدت إلى اندلاع أزمة أخرى بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان.

إن كلاً من هذه الأزمات تستلزم العمل العاجل. ولكن كما أكد فريق العمل التابع لجمعية آسيا فيتعين على العالم حين يتعامل مع هذه الأزمات ألا يفقد بصيرته فيما يتصل بما تعد به العلاقات الهندية الأميركية من خير.

واليوم تلوح فرصة تاريخية لكل من البلدين تتمثل في علاقة دولية جديدة من شأنها أن تعزز الأمن العالمي، وتشد من أزر الاقتصاد الدولي، وتدعم محاولات منع انتشار الأسلحة النووية، وتسمح بإحراز التقدم في مجال مكافحة تغير المناخ. ولكن هذه المكاسب المحتملة لن تتحقق إلا إذا أولى الرئيس الأميركي باراك أوباما الهند القدر الذي تستحقه من الاهتمام، وإذا ما عمل كل من البلدين على توسيع مدى الاستثمار الاستراتيجي من خلال إشراك القطاع الخاص في القضايا التي لا تستطيع الحكومة وحدها أن تحلها.

كانت نهاية الحرب الباردة والدبلوماسية المثابرة من الأسباب التي عملت على الارتقاء بالعلاقات بين الولايات المتحدة والهند إلى نقطة لم يكن مجرد تصورها بالأمر الوارد قبل عشرة أعوام فقط. ولقد اكتسب كل من البلدين الآن فهماً أفضل للآخر، وباتت مصالحهما أكثر ارتباطاً وتوافقاً من أي وقت مضى.

إن الوجود الأميركي في أفغانستان يسلط الضوء على الحاجة إلى تحقيق الاستقرار في جنوب آسيا. فضلاً عن ذلك فإن ديمقراطية الهند واقتصادها المزدهر يجعلان منها عنصراً رئيسياً في توازن القوى في آسيا، وتؤكد الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها مومباي على أهمية الكفاح المشترك ضد التطرف الإسلامي العنيف.

إن الاتفاق النووي المدني الأخير بين الدولتين يمهد الطريق للتعاون فيما يتصل بوقف انتشار الأسلحة النووية. وفي الوقت نفسه، ارتفع حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى ما يزيد على أربعين مليار دولار أثناء عام 2008، بعد أن كان 12 مليار دولار فقط في عام 1998. وحتى حين يستمر الخلاف بين البلدين- على سبيل المثال، بشأن جولة الدوحة من المفاوضات التجارية وفيما يتصل بحل قضية تغير المناخ- فإن إمكانية نشوء البرامج التعاونية الخلاقة الجديدة بين البلدين تفوق خلافاتهما.

فيما يتصل بالقضايا الأمنية فإن الهند تشكل قطعة مهمة في حل اللغز المرتبط بقضايا الاستقرار في أفغانستان وتوازن القوى في آسيا. أما فيما يرتبط بمنع الانتشار النووي على المستوى العالمي فيتعين على الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطها من أجل منح الهند دوراً ملموساً في مؤتمر استعراض وضع معاهدة منع الانتشار النووي من أجل ضمان استكمال تحول البلاد من كونها جزءاً من المشكلة إلى الإسهام في الحل. أما عن مكافحة الإرهاب فإن الأحداث المأساوية التي شهدتها مومباي أخيراً تشكل فرصة لتكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب المشترك، وتبادل الأفراد، سعياً إلى إلحاق الهزيمة بالتهديد الذي بات يشكل مظهراً خطيراً من مظاهر عصرنا الحديث.

على مدار العقد الماضي ساهم الاقتصاد في التقريب بين الولايات المتحدة والهند، وسيستمر في تعزيز العلاقة بين البلدين في المستقبل، على الرغم من التباطؤ الناجم عن الأزمة الاقتصادية الحالية. ويتعين على الولايات المتحدة أن تستفيد من إمكانيات الهند باعتبارها محركاً لاستعادة النشاط الاقتصادي، وأن تكون حريصة على التشاور معها فيما يتصل بأمور مثل التمويل، والتجارة، والاستثمار. ففي الأمد البعيد، لن تكتمل أي اتفاقية تجارية عالمية من دون مشاركة الهند. وبإلحاق الهند بعضوية مجموعة الثماني وغيرها من المؤسسات التعددية، تستطيع الولايات المتحدة أن تضمن أن يشتمل الدور المتنامي الذي تلعبه الهند في العالم على مسؤوليات تتناسب مع حجمها.

وبعيداً عن التعاون الحكومي، فإن الإبداع في المجالات التجارية بين الشركات الخاصة، والجمعيات الأهلية والمواطنين كأفراد، يحمل المفتاح لما تستطيع الولايات المتحدة والهند تقديمه لبعضهما بعض وللعالم أجمع. ويتعين على أوباما أن يستفيد من الخبرات والطاقات الكامنة في القطاع الخاص في كل من الهند والولايات المتحدة من أجل تعزيز شراكات القطاع الخاص في مواجهة المشاكل العالمية المعقدة، مثل تغير المناخ، والتحول الزراعي، والتعليم، ومكافحة مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز).

ولنتأمل هنا مسألة تغير المناخ. فمن دون الهند سيكون من الصعب للغاية أن نتخيل خاتمة ناجحة لمؤتمر كوبنهاغن الذي من المقرر أن ينعقد في عام 2009 لرسم الخطوط العريضة لاتفاقية تحل محل «بروتوكول كيوتو». والحقيقة أن التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن سيتطلب الدبلوماسية الخشنة، والتسويات الصعبة، والإبداع التكنولوجي، وتغيير أسلوب حياتنا في الاعتماد على الكربون.

إن الهند والولايات المتحدة شريكان طبيعيان في التعامل مع هذا التحدي، حيث العلماء المبدعين وأصحاب رأس المال المغامرين قادرين على إخراج الاختراقات التكنولوجية من المختبرات إلى الأسواق، وحيث الجمعيات الأهلية التي تتمتع بقواعد شعبية واسعة. ومن الممكن تأليف تحالفات مماثلة لمحاربة الفقر العالمي وتعزيز ثورة خضراء ثانية في عالم الزراعة بالهند، من أجل دعم دورها في الاقتصاد العالمي من خلال التعليم المهني والعالي، والتصدي لانتشار مرض الايدز على مستوى العالم.

لقد فشل النظامان الديمقراطيان الأضخم في العالم في الوفاء بالوعود التي تحملها العلاقة بينهما للعالم كله. ولكن إذا ما نجح أوباما في انتهاز الفرصة التاريخية، فإن هذا من شأنه أن يغيِّر هذا الوضع بصورة جذرية- وذلك من أجل مصلحة أميركا والهند والعالم أجمع في الأمد البعيد.

أليسا آيريس | Alyssa Ayres & فيشاكا ن. ديساي | Vishakha N. Desai

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top