Ad

حتى لو أجريت الانتخابات القادمة عام 2012 على أساس الخمس دوائر فإنها ستكون بمعطيات مختلفة، وستكون اكثر استقرارا من انتخاباتنا الحالية.

... وتستمر انتخابات مايو 2008 تفرض نفسها كأغرب انتخابات مرت على الكويت، ولا يبدو أن غرائبها قد انتهت بعد، فبالإضافة إلى الكثير من الأمور الأولى التي ظهرت خلال الحملة الانتخابية فإن أهم حدث في الانتخابات حتى الآن هو قيام الحكومة بشطب 5 مرشحين ولجوء اثنين منهم إلى القضاء الذي أبطل قرار الحكومة، وأعاد تسجيلهما في سجل المرشحين مرة أخرى، وعلى الرغم من حدوث ذلك خلال عطلة حداد رسمية لوفاة الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله، فإن رئيس المحكمة أصر على عقد الجلسة استثنائياً للنظر في استشكال الحكومة، وعلى ضوئها اصدرت المحكمة قرارا تاريخيا بتأكيد احقية الشاكيين في الستجيل، ومن ثم خوض الانتخابات. ان هذا الإجراء يتجاوز اهميته بمراحل الشق الدعائي، كما تتجاوز اهميته اشخاص الشاكين، لأنه قد أسس لقواعد عمل، وأظهر قدرا عاليا من الشفافية والنزاهة تحفظ العملية الانتخابية من اي عبث او اي تعسف.

وتبقى إحدى اشكاليات الانتخابات، ان التركيز فيها سيكون على النتائج، والنتائج فقط، وهو على اية حالة تركيز مفهوم، الا ان ذلك التركيز يضيِّع علينا فرصة ادراك الاطار الاجتماعي والتشريعي والقانوني والعملياتي الذي تدور فيه الانتخابات، والتي ستؤثر بشكل مباشر في النتائج. فنتائج الانتخابات هي عنصر مهم ومحوري واحد من عناصر الانتخابات، أما العملية الانتخابية ككل فهي مشهد فريد من نوعه للفحص والتعرف بتفاعل مكونات المجتمع برمتها، فأين يتسنى لنا مشاهدة ومراقبة هذا الكم الهائل من المؤشرات الاجتماعية، في وقت محدد غير وقت الانتخابات؟

وقد كان لافتا في هذه الانتخابات بروز ظواهر ربما أكثر تعقيدا من سابقاتها كاستطلاعات الرأي الركيكة والشائعات وتنوع وسائل التودد والتقرب للناخبين. وهي مظاهر وظواهر لم تخلُ منها انتخابات سابقة، ولكنها هذه المرة تجاوزت الحدود الدنيا بمراحل. فقد لاحظنا على سبيل المثال، محاولات لفرض وتوجيه آراء الناخبين عن طريق النشر، والاعلان عن استطلاعات رأي تفتقد للمنهجية العلمية، ويتم تداولها في اوساط الناخبين والمرشحين للتأثير في الرأي العام، ويتم في سبيل ذلك استخدام الرسائل الهاتفية النصية، ومواقع الانترنت وغيرها، وهي مسألة بحاجة الى بحث وتمحيص، ومن المؤكد انها بحاجة الى تنظيم قانوني حتى لا يتم تركها لعبث العابثين.

كما انه يلاحظ كثافة الاستخدام الاعلاني المكلف، وخصوصا عبر الفضائيات، وهو امر آخر ايضا يحتاج الى تنظيم مستقبلا، فمن غير المقبول ان تتاح فرصة اكبر للتواصل مع الناخبين عبر الاعلان لأولئك الذين يملكون المال فقط، وهناك الكثير من الادوات القانونية بالاضافة الى دور الدولة لكي يصبح لدينا قدر معقول من تكافؤ الفرص بين من يملكون وبين من لا يملكون، وبالتالي فإن المسار الانتخابي هذه المرة من المفترض فيه ان ينتج اصلاحات رئيسة للقواعد الحاكمة للعملية الانتخابية.

من سينجح

ومن سيخسر ولماذا؟

مع أن العوامل التي ستحدد من سينجح ومن سيخسر في انتخابات 17 مايو هي عوامل تقليدية الى حد ما، تتلخص في كثافة الاعلان، والشهرة والبعدين القبلي والطائفي، ودعم كتلة سياسية، او أسبقية العضوية في المجلس، او الترشيح المنافس والمقومات الشخصية للمرشح والخبرة في التكتيكات الانتخابية، وتوافر ماكينة انتخابية منظمة والقدرات المالية فكلما زاد تمكن مرشح ما من هذه العوامل كانت فرصته للنجاح اقرب، وكلما قلّ تمكن مرشح من هذه العوامل فاحتمالات خسارته هي الرجح.

كلمة السر...

الأربع أصوات والمرأة

ومع قبولنا بما سبق فان العنصرين الحاسمين للنتائج النهائية هما آلية التصويت لأربعة مقاعد من اصل عشرة مقاعد في كل دائرة، ونسبة وطبيعة مشاركة المرأة في الانتخابات.

فنظام التصويت لأربعة من اصل عشرة هو نظام فريد من نوعه في الانظمة الانتخابية في العالم. كما ان تطبيقه لاول مرة سيحدث إرباكا في الاختيارات لن نكتشفه الا بعد اعلان النتائج. فمن خلال دراستنا للسلوك الانتخابي اتضح ان ما يزيد عن نصف الناخبين مازال يفكر بعقلية الخمس والعشرين دائرة، ومازال يفكر بنمط الصوتين فقط، ومع ان ذلك الأمر آخذ في التغير، فان على المرشحين الجادين ان يستمروا حتى اللحظة الاخيرة، فالصوت الثالث والرابع وليس الاول والثاني هما اللذان سيحددان الفائز والخاسر، مع أن هناك نحو العشرة في المئة من الناخبين سيصوتون لمرشح واحد فقط، بما يعرف بالصوت الأعور... ومن المتوقع ان يحسم الصوت الاول والثاني الفوز لحوالي %40 من المرشحين فقط، أما الـ%60 من المرشحين فإن فوزهم سيرتكز الى درجة كبيرة على الصوتين الثالث والرابع. ولعل هذا الأمر يفتح فرصة مضاعفة للمرشحين الذين كانوا نوابا سابقين لحصد الصوت الثالث او الرابع من دائرتهم التي كانوا قد فازوا فيها على نظام الخمس والعشرين دائرة، وبالذات من اولئك الناخبين الذين لم يمنحوهم اصواتا بسبب التزامهم بمرشحين اثنين فقط. وهو تكتيك معروف في مباريات الكرة، إذ يفترض ان يفوز الفريق الذي يلعب على ملعبه عادة.

وبالتالي، فان كلمة السر هي الاربعة اصوات وآلية التصويت بها، والمرشح الذي يستطيع فك شفرة كلمة السر تلك سيرفع من احتمالات فوزه. كذلك، فان عنصر المرأة سيكون حاسما في تحديد الفائز والخاسر، فقد اتضح أن نسبة النساء اللواتي لن تصوت او لم تحسم امرها للتصويت لاربعة يزيد بنسبة %23 عن الرجال الذين لم يقرروا، وربما يعود ذلك الى عدم معرفتهن بالمرشحين او بسبب عوامل اخرى، فإذا علمنا أن مشاركة المرأة في الانتخابات الماضية 2006 لم تتجاوز الـ%54 فإن اي زيادة في المشاركة النسائية هي التي ستحسم النتائج. ولذلك لم يكن مستغربا التكالب الملحوظ من المرشحين على حث النساء ووضعهن في سلم اولوياتهم بغض النظر عن التوجه السياسي او موقفهم السابق من المرأة ومشاركتها السياسية.

انتخابات لن تتكرر أبداً

الشاهد ان الانتخابات يوم غدٍ هي انتخابات المرة الواحدة، وهي لن تتكرر ابدا، ولا يمكن لها كذلك، اي بمعنى حتى لو أجريت الانتخابات القادمة عام 2012 على أساس الخمس دوائر فانها ستكون بمعطيات مختلفة، وستكون اكثر استقرارا من انتخاباتنا الحالية. والشاهد أيضا انه وبسبب هذه التعقيدات فان النتائج لن تكون عاكسة حقا لاتجاهات الناس، مما قد يؤدي الى حدوث مفاجآت، ولكنها في المحصلة النهائية ممارسة ديمقراطية نتمنى لها الاستمرار، فالديمقراطية لا ينصلح حالها الا بمزيد من الديمقراطية.