لا حرية لأعداء الحرية

نشر في 22-04-2009
آخر تحديث 22-04-2009 | 00:01
 أحمد عيسى أصبح من الرائج أن يقوم نائب موتور بدفع البلاد لحل غير دستوري ويعطِّلها أشهراً، فندعمه في ممارسة حقه الدستوري رغم اختلافنا معه، وآخر يهدد السلطة مستخدماً لهجة استفزازية، فنقف معه أيضا لأنه عبّر عن رأيه، فيما لا نجد من يقف معنا دفاعاً عن الحريات العامة سوى أربعة نواب من أصل خمسين نائباً وخمسة عشر وزيراً داخل «قاعة عبد الله السالم».

في كل موسم انتخابي تقوم السلطة باستحداث عرف جديد للتعاطي مع المرشحين، وهو ما يعني أننا أمام شكل مختلف للتعامل مع الانتخابات في كل موسم.

في عام 2003 تم تحويل الكاتب الصحافي محمد عبد القادر الجاسم إلى النيابة العامة بتهمة المساس بالذات الأميرية، بعد حديثه في ندوة انتخابية، وفي عام 2006 تُرك الحبل على الغارب، فشهدت انتخاباته شبهات لاستخدام المال السياسي، وتحالفات مشبوهة، وانتخابات فرعية، أما العام الماضي فنزلت المدرعات لتواجه الانتخابات الفرعية، وقُيِّدت تهم بحق مرشحَين أُدينَا قضائياً لاحقاً بتقديم رشاوى للناخبين، وتخللت عمليات فرز الأصوات أخطاء كثيرة أدت إلى تغيير مراكز وأرقام مرشحين ونواب بحكم من المحكمة الدستورية.

في العام الجاري، ألمس حساسية مفرطة تجاه ما يقوله المرشحون، فقد شهدنا احتجازاً، وأوامر إلقاء قبض، واستدعاءً بحق بعض المرشحين لمجلس الأمة، وبموازاة ذلك لم تنزل آليات مكافحة الشغب وقوات الطوارئ إلى الشارع لتواجه الانتخابات الفرعية التي اكتفى جهاز المباحث برصد المشاركين فيها، وهو ما يدل على أن تعاطي السلطة مع الانتخابات في كل عام يتغير، إما بتغير طبيعة الانتخابات ومعطياتها، وإما بتغير الجهات الفعلية المعنية بمتابعتها.

ما يعنيني اليوم ليس السلطة، فما قاله زيد أو عبيد لا يخرج عن كونه حرية تعبير، وكذلك أرجو ألا يفهم من هذا أنني أدافع عن سياسات الحكومة أو أنني أحاول تسويقها وكأنها مشكَّلة من خليط ملائكة، بل على العكس حكوماتنا المتعاقبة تتحمل الذنب الأكبر مما بلغناه من سوء.

إن ما يعنيني اليوم فوضى تجتاح لغة الحوار، وما يعتريه من تشهير بغرض فرد العضلات وملاحقة أضواء الشهرة، وهو ما ساهم بخلط المفاهيم لتقسم الحريات على مقاس ممارسيها، وهنا الأساس.

يقول رائد التنوير، الفيلسوف الفرنسي فولتير «لا حرية لأعداء الحرية، ولا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية»، لكن لا يمكن أن نأخذ بذلك الآن تحديداً على إطلاقه، فنحن أمام سلطة تمارس أنماطاً غير مستحبة في التعامل مع الحريات، وتتدخل في أحيان لمصلحة مرشحين على حساب آخرين، لذلك علينا أن نواصل موقفنا المنتصر للحرية، رغم أن مَن نُطالب اليوم بالوقوف معهم وتبني قضاياهم، أشخاص يتعاملون مع الحريات على أنها قائمة طعام في مطعم فاخر، فتجدهم يختارون من «السلطات» حرية التعبير، ومن «الطبق الرئيسي» حرية التجمعات، أما «التحلية» فيفضلونها حرية إشهار النقابات «مطبوخة على نار هادئة»... وعليها «رشة» مناصب.

الحريات بالنسبة لأنصارها الحقيقيين، كل لا يتجزأ، فحرية ممارسة الشعائر الدينية لا تقل أهمية عن حرية إشهار النقابات، وحرية التعبير تماثل الحرية الشخصية، فلا يجوز تفصيل الحريات حسب قياس أو هوى ممارسيها، فالانتخابات أداة لتطبيق الديمقراطية، وليست هي كل الديمقراطية، لكن «الجماعة» يبدو أنهم «فاهمين الديمقراطية والحريات غلط»، فهي ليست صراخاً ولا تهديداً، كما أنه لا يجوز أيضاً اجتزاء الحريات.

إن أول من صدَّر بياناته الرافضة للإجراءات الأمنية الأخيرة هما المنبر الديمقراطي الكويتي والتحالف الوطني الديمقراطي، فالقضية بالنسبة لنا قضية مبدأ، لا نتراجع عنها أبداً، فيما فضّل الآخرون استخدام مسطرة مختلفة لاتخاذ مواقفهم، فوجدنا بعضهم يربطها بانعكاساتها داخل دوائرهم الانتخابية، أو يوائمها مع ارتباطاته بالسلطة وتوازنات القوى فيها.

نحن الوحيدون المطلوب منا في كل موقف مساندة الآخرين وقضاياهم، فيما يتنصل الآخرون منا متى ما احتجناهم، لذلك أصبح من الرائج أن يقوم نائب موتور بدفع البلاد لحل غير دستوري ويعطِّلها أشهراً، فندعمه في ممارسة حقه الدستوري رغم اختلافنا معه، وآخر يهدد السلطة، مستخدماً لهجة استفزازية، فنقف معه أيضا لأنه عبّر عن رأيه، فيما لا نجد من يقف معنا دفاعاً عن الحريات العامة سوى أربعة نواب من أصل خمسين نائباً وخمسة عشر وزيراً داخل «قاعة عبد الله السالم».

تذكروا جيداً، نحن ننتصر لموقف مبدئي، لأننا ليبراليون نناصر الحريات، وهم يمعِنون في تقييد حرياتنا، لكننا مع ذلك ندعمهم، حتى وإن خالفوا مبادئنا، وتعاملوا مع الحريات على أنها قائمة طعام في مطعم فاخر يتناولون فيه وجبتهم ثم يرحلون دون دفع الحساب، لأنهم واثقون من أننا سندفع ثمن ممارساتهم، حتى إن خالفت قناعاتنا.

back to top