حزب الله وعجز الانتصار
تحتاج المعارضة وعلى رأسها «حزب الله» إلى مَن يرمي لها بحبل نجاة في حال انتصارها في الانتخابات، وإلى مَن يمدّ لها يد المساعدة لعقلنة سلوكها لئلا يغرق لبنان في اللااستقرار، وواجب «14 آذار»، ألا تتخلى عنها وتتركها تحكم وحدها، بل أن تمنحها ذاك الرداء الذي يقيها البرد والعري.
ليس غريباً أن يفضل القادة الإسرائيليون المتطرفون فوز المعارضة اللبنانية في الانتخابات لتطلق أيديهم في التدمير إن وقعت مواجهات، فقبل ذلك شجعوا وصول «حماس» التي كانت «عند حسن ظنهم»، فطردت سلطة محمود عباس وانتهت بكارثة «حرب غزة» التي سمّتها انتصاراً ما بعده انتصار.تبدو المعارضة في لبنان، التي يختزلها عملياً «حزب الله»، أكثر ذكاءً وواقعية من «حماس»، فهي دعت منذ أشهر إلى شراكة مع الموالاة إن تحولت الأخيرة أقلية بعد استحقاق الانتخابات في 7 يونيو، والمسألة ليست كرم أخلاق على الإطلاق ولا شعوراً بمسؤوليةٍ تفترضها معزوفة «الديمقراطية التوافقية»، بل لعلم المعارضة بأنّ وصولها وحدها إلى السلطة يرتِّب عليها أعباءً لا قدرة لها على تحملها ويضعها بين حدّين: إما جرّ البلاد إلى مواجهات تدميرية لن تجني منها أكثر مما جنت «حماس»، وإما التحوّل إلى سلطة حقيقية تلتزم القرارات الدولية، خصوصاً القرار 1701 الذي نشر القوات الدولية في الجنوب، فتصبح بذلك حارساً أميناً للحدود مناضلاً بالشعارات الجوفاء. لا يريد «حزب الله» لا هذا ولا ذاك، فلا هو يهوى السقوط في فخ الانتصار الكامل المدمِّر الذي وقعت فيه «حماس»، ولا التطورات الإقليمية وأدواره المتعلقة عضوياً بطموحات إيران وصلت إلى مرحلةٍ تتيح له التربع في السلطة التي توجب التزاماتٍ مع المجتمع الدولي وتلغي الساحة المفتوحة وتمنع المغامرات. لذا تراه يفضل التحكم بالقرار والاستفادة مجدداً من التباسات البيان الوزاري، فإنْ خسرت المعارضة سيطر الحزب على الثلث لتمديد التعطيل، وإذا ربحَتْ تمسّك بإشراك معارضيه الذين يتمتعون بعلاقاتٍ دولية وعربية في الحكومة ليحتمي بهم ساعة يشاء. هكذا فعل في حرب يوليو 2006 حين وصف «عامِلُه» على مجلس النواب نبيه بري حكومة السنيورة بـ»حكومة مقاومة»، ثم ما لبثت أن انطلقت ألسنته بالتخوين بعد خروجه من تحت الركام.ليس صحيحاً أن «حزب الله» يستطيع حكم لبنان، فكلام التعبئة والمناسبات شيء، والواقع شيء آخر، والحزب يعلم أنّ أي استنكاف من «14 آذار» عن المشاركة في الحكومة سيجعله رافعة فجَّة لأقليّتيْن سُنيّة ودرزية لن يعوِّض نقص مشروعيتهما التمثيلية تيار عون الذي لا يمثل الحساسية المسيحية التاريخية المرعية من البطريرك، والتي هي جوهر وجود لبنان الحر. والتجربة حديثة ولا تحتاج إلى برهان، فالوصاية السورية حكمت لبنان بجيشها وبواسطة الأكثريات الإسلامية مجتمعةً، وخرجت منه حين انقلب عليها السُنّة إثر جريمة اغتيال الرئيس الحريري، لذلك فإن «8 آذار» ستبدو أقلية حاكمة بواسطة السلاح الشيعي لـ»حزب الله» حتى لو تمتعت بمقاعد نيابية مرجّحة، وهو ما يضعها أمام صعوبات داخلية يتداخل فيها السياسي بالمذهبي، وفي مأزق مع الاعتدال العربي لا يلغي مفاعيله الحلف مع دمشق وطهران، ولا المليار دولار الذي تعد قطر المعارضة بوضعه وديعةً في البنك المركزي لتدعيم الانتصار. أما المجتمع الدولي فيمكن أن يتعامل بواقعية مع السلطة الجديدة المنتخبة والمغرمة بكيم جونغ إيل وهوغو تشافيز، لكنه لن يكون مضطراً للوفاء بالتزامات «باريس- 3» أو استكمال تجهيز الجيش أو دعم توجهات موالية لدمشق وأحمدي نجاد ومناهِضة في الأساس للسياسات الغربية وللأمم المتحدة وقراراتها.تحتاج المعارضة وعلى رأسها «حزب الله» إلى مَن يرمي لها بحبل نجاة في حال انتصارها في الانتخابات، وإلى مَن يمدّ لها يد المساعدة لعقلنة سلوكها لئلا يغرق لبنان في اللااستقرار، وواجب «14 آذار»، حرصاً على الإنجازات التي تحققت، ألا تتخلى عنها وتتركها تحكم وحدها، بل أن تمنحها ذاك الرداء الذي يقيها البرد والعري كي لا تصيب بعدواها كل مفاصل الدولة أو تتحول وحشاً مخابراتياً بلا حياء. وهو رداء يمكن أن يعطى للرئيس سليمان ليدثّرها به، أو يخلعه عليها سعد الحريري ووليد جنبلاط في صيغة جديدة لـ»اتفاق رباعي» لم يكن في وقته خطأً على الإطلاق.