قد شبَّ أبناء القبائل
عن الطوق يا سادة!

نشر في 23-04-2009
آخر تحديث 23-04-2009 | 00:01
 د. ساجد العبدلي ما عدت أشك لحظة في أننا نشهد اليوم مخاض حقبة سياسية/اجتماعية جديدة تدور حول موقع القبائل وأبنائها في الدولة وارتباطهم بالنظام، حقبة سيتغير شكل الكويت من بعدها إلى الأبد، وستذكرون ما أقول لكم!

كانت القبائل، تمثل العمق الشعبي الاستراتيجي وعنصراً أساسياً من عناصر استقرار النظام إن لم تكن أهم العناصر، وكان الولاء القبلي ولاءً مطلقاً في كل الظروف، ليس خنوعاً وانهزاماً إنما انبعاثاً من نمط التفكير القبلي الذي يحترم فكرة «الشِيخة» ومبدأ السمع والطاعة لها. ومع استمرار النظام بتعضيد الكيانات القبلية ورعايتها حتى أواخر الثمانينيات، ظناً منه أنه يحافظ بذلك على هذا العمق الشعبي، في حين كان يفترض فيه العكس أي صهرها وتذويبها في الدولة المدنية، تحولت القبائل إلى كتل سياسية راسخة في الساحة، لها مقاعدها ومواضع أقدامها التي لا يجسر أن يطأ عليها الآخرون، فصار أغلب أبناء القبائل يؤمنون بأن «عزهم» الشخصي نابع من «عز» قبائلهم قبل أن يكون نابعاً من الدستور الذي يفترض أنه كفل حقوق وواجبات المواطنة، وأن تمسكهم بحبل القبيلة مقدَّمٌ على تمسكهم بالقانون، لأنه مصدر القوة لهم في ظل دولة ونظام يرعى الكيانات القبلية!

ومع تطور الحياة، ودخول أجيال جديدة إلى الساحة، بدأ أبناء القبائل يتبصرون أبعاد مساحة المشاركة السياسية المتاحة، فاندفعوا لملء تلك المساحات، محلقين بجناحين، جناح أدوات العمل السياسي وجناح الامتداد والثقل القبلي الذي رعاه النظام لسنوات طويلة.

واليوم يأتي النظام، وكأنه أفاق من نوم، محاولاً تحجيم وقمع «الفورة» القبلية السياسية التي تمددت وكبرت عبر السنوات، حتى وصلت في نظره إلى حد المشاكسة والمشاغبة بل التطاول، وكأنه يعتقد أن العقلية القبلية لاتزال في إطارها المحدود القديم، غير مدرك أنها قد شبَّت عن الطوق!

إن أبناء القبائل لم يتجاوزوا مرحلة الولاء المطلق لمجرد إدراك كثير منهم أبعاد المساحة السياسية المتاحة واحتراف بعضهم لأدواتها فحسب، إنما كذلك لأنهم صاروا يستشعرون أن هناك تمييزاً طبقياً ونوعاً من عنصرية تمارس ضدهم، وأن النظام وعلى الرغم من رعايته لكياناتهم فترة من الزمن، أبقاهم في الوقت نفسه حبيسي طموحاتهم البدائية البسيطة وتطلعاتهم الساذجة، في حين فاز «الآخرون» بالمناصب العليا والمناقصات المليونية والقسائم الصناعية وغيرها!

هذه الفكرة، وإن كان قد يرفضها البعض ويراها غير صحيحة، هي فكرة راسخة جداً في وجدان الأغلب من أبناء القبائل، وهي باعثهم الأقوى نحو الإصرار على الاعتصام بحبال قبائلهم لمواجهة هذا المشهد، الذي هو غير حقيقي في ظن البعض كما قلنا.

إدخال «أمن الدولة» إلى خشبة المسرح اليوم بهذا الشكل الفانتازي غير المتوائم مع ما جرى، ومحاولات الزجر والتخويف والتلويح بالعصا، لن تجدي نفعاً، بل ستزيد من الاحتقان والتشنج، ومن تابع طروحات الأيام الأخيرة، فسيجد أن موجة الاعتقالات لم تؤد إلا إلى غليان الفورة القبلية، وتصاعد حدة التصريحات، بل دخول آخرين على الخط للتصريح والتصعيد والتلويح، وصولاً إلى عقد المقارنات، وربما تهويل الفروقات، ما بين المعاملة التي حظي بها المرشح خليفة الخرافي «الحضري» وتلك التي أنزلت على المرشح خالد الطاحوس «القبلي»!

ما هكذا تورد الإبل يا سادة، وأبناء القبائل اليوم ليسوا هم أبناء قبائل الأمس لا بطريقة التفكير ولا بحجم رد الفعل الذي قد ينتج عنهم، حقاً أو باطلاً، وعليه فما يحصل تجاههم لن يعالج الأمر حتى ولو زاد النظام جرعته، بل سيؤدي إلى المزيد من شرذمة وتفكيك المجتمع.

نعم، ليعاقب المسيؤون، ولكن وفقاً لدرجات القانون ومراحله، وانبعاثا من بصيرة العقل المستنيرة بروح الحكمة، وكلي أمل أن يستفيد النظام مما يحصل اليوم فيدرك أنه لا سبيل لصهر الفئويات والطوائف في نسيج دولة المؤسسات إلا بالتدرج الموضوعي، وبتذويب الحواجز وإزالة أسباب مشاعر الاختلاف والتمييز!

***

«تاج القيصر لن يحميه من الصداع»... مثل روسي.

back to top