بداية أود أن أهنئ الزميل، «جارنا في زاويته التي على شارعين وسكة»، محمد الوشيحي بمناسبة انطلاق برنامجه الحواري «ديوان الوشيحي» على المولود الفضائي الجديد قناة «الشاهد»، ونتمنى له عودا محمودا إلى الشاشة الفضية التي يقدم من خلالها لونا حواريا مميزا، وبناءً عليه حرصت أن أتابع برنامجه مساء الاثنين الماضي الذي كانت حلقته مميزة، كون ضيفها هو الشيخ سعود الناصر الصباح، الذي يملأ وسائل الإعلام بتصريحاته الجريئة ونقده اللاذع للأوضاع السياسية الكويتية منذ فترة.

Ad

«بوفواز»- لو سمحت لي أن أشير إليك بالكنية- جدد خلال الحوار نقده للأوضاع ونهج الحكومة وطريقة إدارتها للبلد، وإن كان بنبرة أخف مما تعود عليه في الآونة الأخيرة، وكذلك جدد تحذيره من التيارات الدينية وأثرها على الكويت، وواصل هجومه المستمرعلى الإخوان المسلمين الممثلين في الكويت بالحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، ولكنه استدار، وارتكز في جلسته، ووجه عينيه إلى الكاميرا مباشرةً، بالتكتيك الأميركي للتعامل مع وسائل الإعلام لاسيما مع الكاميرا لإيصال رسالة مباشرة، وذلك عندما أتى ذكر موضوع الانتخابات الفرعية والقبائل... ليقول مشددا على مخارج الحروف: «حنا بداوة وقبايل»... و»أنا ضد قانون تجريم الانتخابات الفرعية، ولم أشارك فيه، وصدر القانون بعد أن تركت الحكومة»... وشدد على هذه المعلومة الأخيرة.

وأقول للشيخ سعود هذه المعلومة غير صحيحة، فالقانون صدر في أبريل من عام 1998، وكنت تشغل منصب وزير النفط في حينه، وعضوا بالطبع في الحكومة التي صادقت عليه، ورفعته إلى سمو الأمير الراحل جابر الأحمد رحمه الله لإصداره دون أن تتحفظ عليه أو تعارضه، وهي حقيقة لا أعتقد أنها تغيب عن ذهن الدبلوماسي المخضرم والسياسي ذي الخبرة والعقل المنظم، ولكن الشيخ سعود يلعب سياسة يريد من خلالها العودة إلى الحياة السياسية، وهو بلا شك طموح مشروع، ولكنه يستخدم بعض الوسائل القديمة. فالشيخ سعود الذي خسر الإسلاميين يريد فريق دفاع عنه يسند ظهره في حال عاد إلى الحياة السياسية، وهو رجل «براغماتي» يعرف أن القوتين الكبريين على الساحة حالياً هما «القبليون والإسلاميون»، ويلعب اللعبة التي خبرتها الكويت منذ السبعينيات، وندفع ثمنها غاليا حاليا.

فعندما أرادت السّلطة في تلك الفترة التخلص من إزعاج ومناكفات الحركة الوطنية التي لم تتمكن من ترويضها، ارتمت في أحضان الإسلاميين، وتحديدا الإخوان المسلمين، وتغاضت عمن يعزف على نغمة النعرات القبلية والطائفية لأجل توسيع قاعدتهم الشعبية، حيث كانت تمثل القبائل مددا مهما للإسلاميين، واليوم نرى الضريبة التي يدفعها المجتمع الكويتي من خسارة لتميزه وتقدمه لمصلحة الانغلاق والتطرف، والتشرذم الطائفي والعرقي والفئوي.

يا «بوفواز» إن اللعب على مكونات المجتمع ومتناقضاته وعقد التحالفات السياسية، في سبيل تحقيق هدف سياسي قصير أو متوسط الأمد على حساب البلد، هو أقسى ما عانته الكويت، وها أنت في نفس المقابلة تحذر من الطائفية وتدعو الجميع ليتعظوا من كوارث الدول التي سادت فيها الممارسات المذهبية والطائفية، فهل لك بالمقابل أن تعطينا خلاصة نتائج الدول التي سادت فيها الممارسات العرقية والقبلية، وأنت الرجل المطلع على شؤون العالم بحكم خبراتك الدبلوماسية العريقة؟ وهل لك يا شيخ سعود أن تقول للكويتيين ما أسباب كارثة الصومال وانهيار الدولة؟ وما نتائج تنافس الطاجيك والبشتون والهزارة على أفغانستان... وتمرد القبائل في باكستان، والهوتو والتوتسي في رواندا، وحالة اليمن الذي تسود فيه الأعراف القبلية في الحكم، وغيرها من عشرات الوقائع التي شهدت نزاعات عرقية؟ ألا ترى يا شيخ... كيف استطاع آل سعود توحيد المملكة وجمع ولاء جميع سكان الجزيرة العربية التي تعتبر مهد كل القبائل للدولة، ومنع أي ممارسة تمجد العصبية القبلية، وتجرم من يتنابز بالألقاب المناطقية أو القبلية؟

يا شيخ كم كنت أتمنى أن أسمع ردك على سؤال الوشيحي عن مصير الأقليات في الدوائر الانتخابية التي تمارس فيها التصفيات الفرعية من قبائل صغيرة وتجمعات حضرية، والتي تجمد وتحيد من العملية السياسية... وهو السؤال الذي تجاوزته وتهربت من الإجابة عنه.

يا «بوفواز» كنا نتمنى أن تنعكس آراؤك الجريئة لتستخلص العلاج الشافي لعلتنا الحالية من عِبَر الماضي، ونسمع رأيك في من هدد بإغلاق شوارع منطقة الأندلس في وجه وزارة الداخلية، وعدم تمكين رجال القانون من أداء مهامهم، ومن هدد بتحريك المجاميع في وجه الدولة ومن اعتدى على رجال الشرطة ومديرية أمن الفروانية، واقتحمها وهي تمثل سيادة الدولة وترفع على مبناها علمها... فأي دولة مدنية تتحدث عنها يا «بوفواز» وتنتقد التيارات الدينية التي تهاجمها، وأنت تشجع الأسوأ وهو التشرذم العرقي عبر التعصب القبلي الأخطر، الذي يمثل الطريق الأقصر لضرب نسيج المجتمع والسلم الأهلي؟!

حقيقة يا شيخ سعود: بعد ما سمعته منك... فقد خيبت أملي وأمل كثيرين ممن استمعوا إليك.