آخر وطن الحياة... روليت!
أتذكّر جُملة مرّت في أحد الأفلام الأجنبية تقول «لن تحقق حلمك ما لم تراهن بشيء ما، والسر هو ألّا تراهن بما لا تطيق خسارته»!
الجزء الأول من الجملة ينبئك بحقيقة حادة وحارقة، وهي أن القدر لا يوزّع هداياه مجانا، إنما هو يعطيك شيئاً ليأخذ منك في اليد الأخرى شيئا آخر، ويبدو أن ذلك أحد قوانين «لعبة» الحياة المعتمدة حتى في الأديان، ولا نملك تغيير شروطها، فإذا أردت الحصول على شيء، فلابد أن تقدّم في المقابل شيئا آخر لتحصل عليه، وهي -أقصد الحياة- بذلك لا تسمو كثيرا عن «الرّوليت» أو أي لعبة قمار أخرى، لكن الموجع في لعبة الحياة، أن الذي تخسره ليس شيئا من مالك، إنما شيء من عمرك، والموجع أكثر أنه ليس لك خيار في المشاركة باللعبة أو عدم المشاركة طالما أنت «حي»، بمعنى آخر أنت مُجبر على أن تفتح كيس العمر وتُخرج منه حفنة في كل مرة وتضعها على رقم معين في دولاب «الروليت».صحيح أنك تستطيع أن تخبئ مالك أو جزءا منه في خزنة ما، وتحتفظ به بعيدا عن المقامرة، بل تستطيع أن تستثمره لينمو ويتضاعف، لكنك لا تستطيع أن تفعل ذلك بسني العم، فنحن مُجبرون على «إنفاق» عمرنا كل لحظة وكل ثانية، مع يقيننا أننا لن نسترد ما أنفقناه أبدا أو حتى جزءا منه! حسنا... طالما أننا لن نحقق أيا من أحلامنا إلا بالرهان على شيء ما في المقابل، فالسؤال هو: ما الحلم الذي نستطيع أن نراهن بالعمر لأجله؟! ما الحلم الذي يستحق أن نضحي بمُجمل العمر لكي نحصل عليه؟! ولنفترض جدلا أننا وجدنا ذلك الحلم، ولنفترض أيضا أننا قايضنا به العمر، سيولد سؤال آخر هو: كيف «نعيش» لحظة تحقيق ذلك الحلم بعد أن أفنينا كل العمر لنحصل عليه؟!الجزء الثاني من الجملة يحذّر من الرهان بما لا يمكننا تحمل خسارته، وهذا الجزء ورغم منطقية وذكاء الحكمة فيه، فإنه أيضا شرّع أبواب الأسئلة في داخلي على مصراعيها، فعبارة «لا تطيق خسارته» استوقفتني كثيرا، إذ ما الذي يُحدد عدم قدرتنا على خسارة شيء ما، هل هي قيمة هذا الشيء أم حاجتنا إليه؟! وفي حال كانت القيمة هي التي تحدد مدى قدرتنا على الاستغناء عن شيء ما، فهل هي القيمة المادية له أم المعنوية؟! وكذلك الحاجة أيضا هل هي مادية أم معنوية؟! الأعقد من ذلك أن هناك أشياء «نتوهّم» أننا لا نستطيع التخلي عنها، وأننا لا يمكن أن نعيش من دونها، بينما لو أُخذت قسرا منا، سنكتشف بعد ذلك أننا مازلنا بخير، وربما بحال أفضل، أي أن الوهم يلعب دورا مهمّا في تحديد ما لا نطيق خسارته.لكن أصعب ما في لعبة «الروليت» هذه، والجزء المثير فيها بذات الوقت في نظري، هو أن هناك أشياء لا نعرف أننا لا نطيق خسارتها... إلا بعد فقدها!