إن إقرارأميركا بدور إيراني فاعل في القضية الأفغانية من خلال دعوة واشنطن لطهران حضور مؤتمر لاهاي «الأفغاني» اليوم سيشكل بلا شك نقطة تحول ليس فقط في تاريخ العلاقات الأميركية الإيرانية بل في تاريخ العلاقات الأميركية مع القوى الإسلامية والعربية الفاعلة التي كانت حتى الأمس القريب تصنف في معسكر قوى الشر العالمي التي تنتظر الزحف الأميركي عليها.
ولا يختلف اثنان من المتابعين للحراك الأميركي والغربي عموما تجاه كل من دمشق وطهران بأن ما يحصل في هذا الاتجاه ليس سوى مفاوضة الخاسر للرابح على شروط الانسحاب الغربي من الميدان الحربي إلى ميدان السياسة لمصلحة هاتين العاصمتين الإقليميتين اللتين تزدادان ثقلا في المعادلة الإقليمية كما في المعادلة الدولية.وهو اعتراف وإن جاء متأخرا من جانب القوى الكبرى بخيار المقاومة والممانعة اللتين صمدتا بوجه الآلة الحربية الغربية كما سياساتها التي وقفت إلى جانب العدو الصهيوني ضد كل من لبنان وفلسطين في عدواني تموز/يونيو 2006 وكانون/ديسمبر 2008!من جهة أخرى ومع كل يوم يمر فإن الوقائع والأحداث تؤكد أن نصائح لجنة بيكر- هاملتون حول العراق وأفغانستان كانت صائبة، وأن الإدارة الأميركية السالفة عندما تجاهلتها إنما كانت تخسر الوقت لمصلحة كل من دمشق وطهران.وإذا كان ثمة من يظن اليوم من الأميركيين أو الغربيين بأنه عندما يشرك طهران أو دمشق في ترتيبات الوضع في العراق أو أفغانستان إنما يمنح من حصته شيئا لهاتين العاصمتين حتى يساومهما على مواقف في مواقع أخرى فهو مخطئ بالتأكيد.وستثبت الاحداث المقبلة مدعمة بالأرقام وبمزيد من الأدلة والبراهين بألا قبل للأميركيين بتسوية القضية الأفغانية من دون مشاركة حقيقية وعميقة للإيرانيين ولقوى إقليمية أخرى في الحل النهائي لهذا الملف الدولي المعقد والمتشابك.تماما كما هو الملف العراقي الذي يحاول الأميركيون أن يتجاوزوا تداعيات خطاياهم القاتلة فيه من خلال سفر الخروج فحسب.ويصبح الامر أكثر تعقيدا وأكثر فتكا بالدور الأميركي ونفوذ واشنطن في المنطقة إذا ما فكر صاحب القرار الأميركي الجديد بأنه إنما «يقدم» كل ما يقدمه لكل من دمشق وطهران إنما هو من باب التذاكي لإبعاد العاصمتين المذكورتين عن «اللعب» في ساحة ما يسمونه بأزمة الشرق الأوسط أو الصراع العربي الإسرائيلي.مخطئ تماما الرئيس باراك أوباما إذا ما ظن للحظة بأنه قادر على إبعاد كل من دمشق وطهران عن ملف القضية الفلسطينية من خلال ما يظن أنه «مساومة» يعقدها مع هاتين العاصمتين, أو أنه قادر على ما تسميه إدارته بـ»تبريد» هذه القضية لمصلحة التركيز على قضايا إقليمية أخرى في إطار مساوماتها التي بدأتها مع كل من روسيا والصين على المستوى العالمي.فالقضية الفلسطينية ستظل هي القضية الاولى لدى صناع القرار الإيراني، ناهيك عن كونها لب الصراع العربي مع مثلث الاستعمار والتبعية والتخلف، وإن كل المعارك الاخرى التي تخوضها القوى الحية في المنطقة لا تستوي مطلقا ما لم تحسم اتجاهات الريح في هذه القضية المركزية.ثم هل يصدق أحد بأن الأميركي أو الأوروبي الذي يراجع بعض سياساته اليوم تجاه كل من دمشق وطهران وسائر القوى الحية والمقاومة في المنطقة و يقرر التفاوض ولو جزئيا مع كل من «حزب الله» اللبناني والمقاومة الفلسطينية لولا أنه خسر الحرب المفتوحة مع البندقيتين اللبنانية والفلسطينية؟!لا يختلف اثنان اليوم بأن خسارة الكيان الصهيوني في عدوانه الهمجي على لبنان في تموز/يونيو من العام 2006 ومن ثم عدوانه الوحشي الآخر على قطاع غزة في كانون/ديسمبر من العام 2008 هو من جعل الغرب الاستعماري وفي مقدمته أميركا يراجع حساباته مع كل من دمشق وطهران باعتبارهما الداعمين الاساسيين لخيار البندقية المقاتلة.استنادا إلى كل ما تقدم وطبقا لما يتسرب من الاروقة الخلفية التي تتابع هذه التطورات فإن أي حوار جدي من جانب الغرب يراد له أن ينجح مع طهران، وبالتأكيد مع دمشق أيضا لا يمكن أن يكتب لهما النجاح ما لم تقدم واشنطن على خطوة جوهرية تعدل من خلالها موقفها المنحاز للكيان الصهيوني، تماما كما ينبغي لها أن تزيل من ذهنها أي وهم بخصوص إمكان إبعاد طهران أو دمشق من هذه القضية الاساسية والمركزية للعالمين العربي والاسلامي، هذا ناهيك عن تجاهل هذه القضية أصلا من خلال وضعها في البراد الدولي.لقد ولى زمن الاستفراد بالقوى العربية أو الاسلامية، تماما كما ولى زمن مقولة «فرق تسد» الاستعمارية البريطانية، ولم يعد بإمكان أي قوة مهما تجبرت أو تسلحت بالحيلة والخداع أن تحتال على أي من اللاعبين الاساسيين في المنطقة لتغريهم بموقع أو نفوذ هنا أو هناك هو أصلا من منجزات صمود هذه القوى وحصاد صبرها الاستراتيجي ومثابرتها على الموقف وليس منة من أحد أي أحد من قوى الاستعمارين القديم أو الجديد.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني
مقالات
عندما تذعن واشنطن لحقائق المحور السوري - الإيراني
02-04-2009