في جنة الخلد
رحمك الله يا أبا فهد رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جنّاتهالكويت لبست في فقدك الثياب السوداء
توقّف البحر عن غسل جدائل السيف كعادته في كل مساءقمر الليل لم تعد دموعه من ضوء، بل من آهة يكبّلها الدجىشمس النهار تغادر خِدْرِها بتثاقل، لتمارس مهمة لا ترغب في أدائهاالشوارع ليست لها رغبة في احتضان الخُطىملامح الناس كتاب لا تقرأ فيه سوى تراتيل الكآبةرحمك الله يا أبا فهد...مكثت زمناً طويلاً في قلوب الناس، تعمّرها بالدفء والمحبةتعاملت مع الشعب بأبوّة لا ينقصها الاحترام والمشاعر الإنسانية الصادقةتلمّسَت أصابعك بشفافية حاجاتهمأضأت المنطفئ من قناديل أرواحهم، وأعدت الروح إلى المحترق من شموع أمنياتهملم تكُن سواك، ولم تكُن مقاصدك النيّرة سوى ما كانت تفيض به آمالهمكنت دائماً من طين الناس وصفاء مائهملم يكن لك هوى سوى الكويت وشعبهاأعطيت هذا الهوى سنوات عمرك، وملأت هذه السنوات لصالح هذا الهوى عطاء وتضحية ووفاء، قلما نجدها في عاشق مدنفرحمك الله يا أبا فهد...طيلة خدمتك لهذا الوطن حاول البعض لعب السياسة، فـ«سايسْت» اللعب!وحاول البعض قلب الطاولة، فطاولت القلب! وحاول آخرون جرح الورد، فورّدت الجرح!لم يكُن طريقك دائما مرصوفاً مفروشاً بما يبدع الربيع، بل أكاد اجزم أن معظمه كان مرصّعاً بالجمر ومزيّناً بالشوك... بالإضافة إلى قلوب الضعفاء الذين آمنوا بك، وصدّقوا نواياك الرحيمةخاصمت بنبل فارس، وشرف أصيلتجاوزت الكثير من الطعون ببراعة وشجاعةتخطيت الأسلاك الشائكة، وكان دليلك ما يعتمر قلبك الكبير من بياضملهماً كنت لتراب هذا الوطن، وكنت حافظاً لأمنه زمناً طويلاً ووقفتك الشجاعة في دسمان أصبحت أسطورة يحكونها لأطفالهم في ليالي الشتاء الباردة الطويلة، لتبقى في وجدان الأطفال قبساً يضيئونه كلما داهمهم الظلامكلما ارتابت أشجار هذا الوطن... لجأت إلى مرابع حضنككلما ذعرت أمواجه... لجأت إلى سواحل ساعديككلما طار الحمام مرعوباً... لجأ إلى أهداب عينيككلما اغتربت طمأنينة ابتسامة... لجأت إلى ظل صدرككنت ملجأ آمناً لكل خطوة شريفة لامست تراب الوطنالغيمة الكبيرة التي وَقَت هذا الوطن من الهجيررحمك الله يا أبا فهد...قبل أن يأخذ الله أمانته، أدّيت أمانتك على خير وجهوكنت أميناً على أحلام هذا الوطنأميناً على مصالحهوعلى قلوب أطفاله وأيتامه وضعفائهأميناً على أمانيهرحمك الله يا أبا فهد رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته.