غير مفاجئ أن ينتهي الحوار الفلسطيني-الفلسطيني الى هذا الفشل الذريع الذي انتهى إليه، فالحالة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من الحالة العربية، ومن الحالة الإقليمية، ولقد ذهب الفلسطينيون الى هذا الحوار وهم يعرفون أن قرار وحدتهم ليس في أيديهم، وأنه إذا لم يأتِ الضوء الأخضر من خارج دائرتهم فإنه لا أمل بالخروج من المأزق الذي أصبحوا فيه منذ ان قامت "حماس" بانقلابها في منتصف عام 2007.
لقد ثبت ان كل ما قِيل عن تقارب القلوب كما تتقارب الرؤوس غير صحيح على الإطلاق، فالمتحاورون في القاهرة كانوا ينتظرون تحسّناً في الأجواء العربية والإقليمية ينعكس على حواراتهم "الماراثونية"، والتي لم تحقق ولو خطوة واحدة الى الأمام، لكن مثل هذا التحسن بقي مفقوداً ولم يحصل، فقمة الدوحة الأخيرة تحولت الى "ثلاجة" لتبريد الخلافات، وهذا ما جعل حركة "فتح" وحركة "حماس" تذهبان الى الجولة الأخيرة وهما تعرفان سلفاً ان تحركهما سيكون مجرد قفزات في الهواء، من دون تحقيق أي شيء.ولأن حوارات القاهرة كانت مجرد حركات دُمىً يجري التحكم بها على مسرح العرائس، من خلال خيوط يمسك بها الذين يختبئون خلف الكواليس، فإنها بقيت تدور حول نفسها وبقي المتحاورون يذهبون يومياً من الفندق الذي خُصص لهم الى مبنى المخابرات المصرية ثم يعودون بلا أي إنجاز، وهكذا الى ان سئم بعضهم البعض الآخر وسئمتهم الدولة المضيّفة، وإلى أن ازداد الشعب الفلسطيني يقيناً بأن هذه الحالة "فالج لا تعالج" ولا أمل إطلاقاً في رأب الصدع وتجبـير إناءٍ زجاجي سقط من إحدى السماوات السبع وأصبح قطعاً صغيرة متناثرة.لم يكن الحوار، منذ تلك البداية وحتى هذه النهاية، بين طرفين متعارضين ومختلفين ضمن الدائرة الفلسطينية الواحدة، لقد كان مفاوضات بين دولتين هما دولة الضفة الغربية ودولة غزة، وبين كيانين متباعدين جغرافياً وسياسياً وميولاً وتوجهات وتحالفات، ولقد ثبتت حقيقة ان "حماس" قد ذهبت الى هذا الحوار وهي متمسكة بدولتها بالنواجذ، وأن هدفها هو تثبيت هذه الدولة مع السعي إلى فتح ثغرة لها في جدار دولة الضفة الغربية.ربما ان هناك بين قادة "حماس" من ذهب الى هذا الحوار بنوايا طيبة، لكن هذه النوايا الطيبة لم تصمد في حقيقة الأمر أمام الارتباط المتين بين القيادة الدمشقية التي على رأسها خالد مشعل وبين طهران، فالولي الفقيه هو صاحب الأمر والنهي ومصلحة الشعب الفلسطيني تأتي في آخــر اهتمامات هذا التحالف الإقليمي، والذي أطلق على نفسه اسم "فسطاط الممانعة".لقد فشل هذا الحوار فشلاً ذريعاً، لهذا فالمطلوب مـــن الرئيس محمود عباس (أبومازن) ان يعلن هذه الحقيقة ليعرفها شعبه الفلسطيني، ويعرفها العرب والعجم والعالم بأسره... ثم بعد ذلك لابد من الإسراع في تشكيل حكومة جديدة برئاسة سلام فياض نفسه تشارك فيها بمواقع رئيسية كل فصائل منظمة التحرير باستثناء "فتح"، فالعالم بحاجة إلى جهة فلسطينية مقرِّرة، وأخطر ما يمكن ان يكون هو الاستمرار بهذه الحالة المربكة التي في ضوء كل ما هو قائم، من غير الممكن ان تؤدي الى أي نتيجة لجهة وضع حدٍ لهذا الانقسام المخزي وغير المبرَّر على الإطلاق.
أخر كلام
بعد فشل الحوار
07-04-2009