الحكومة الشعبية والحكومة الرسمية

نشر في 09-01-2009
آخر تحديث 09-01-2009 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر من المفارقات العجيبة في الواقع السياسي الكويتي طريقة تشكيل الحكومة على المستويين الشعبي والرسمي، فبقدر ما تشهد ولادة أي وزارة جديدة مخاضاً عسيراً حتى اللحظات الأخيرة لصدور المرسوم المنتظر بقدر ما يشاع في المنتديات والدواوين والصحف وأخيراً عبر الإنترنت والرسائل القصيرة العديد من التوليفات والتشكيلات الوزارية، وبقدر ما تكون أعصاب رئيس الحكومة المكلف مشدودة وجدوله زاخر بالمقابلات والمقايضات السياسية والأجواء المحيطة به ملبّدة بالابتزاز والضغط الإعلامي، بقدر ما تشكل المجموعات الدواوينية وسمرات آخر الليل حكوماتها الخاصة بكل أريحية ودونما عناء وبمزاج غاية في الاسترخاء والثقة.

وبنفس المقدار الذي تكون فيه الأسماء المرشحة للحقائب الوزارية شحيحة وصعبة على المستوى الرسمي، تكون الأسماء المتداولة في الإشاعات وافرة وسهلة، وعلى عكس الآلية الرسمية المحاطة بستار سميك من السرية والكتمان، تتميز الآلية الشعبية بالشفافية والعلنية.

وأخيراً، فإن ما يميّز التشكيلات الحكومية الشعبية المعلنة عبر الإشاعات عن الوزارة الحقيقية أن النوع الأول يتم إعلانه سريعاً وتبدأ فوراً عملية التقييم لوزراء الإشاعات وبحث سيرتهم الذاتية والتوقعات المستقبلية عن دورهم القادم ومدى نجاحهم أو فشلهم وتتوافر فرص النقاد لعمل تعديلات مقترحة على بعض الحقائب للخروج بتشكيلة أكثر مثالية وأكثر طموحاً، ولعلها أكثر قدرة على العطاء بنجاح. في حين أن النوع الثاني، أي الحكومة الرسمية والحقيقية، تعلن بشكلها النهائي ولا يمكن بعدها إحداث أي تعديل أو تقييم وإلا دخلت البلاد تلقائياً في أزمة سياسية.

ولعل هناك سببين مهمين في هذه المفارقة بين الحكومات الرسمية وحكومات الظل أو الحكومات التي يخترعها الكويتيون أنفسهم، ويكمن السبب الأول في أن الحكومات المصطنعة عادة ما تكون في مخيلة نخبة من الشعب من رواد ديوانية واحدة أو تجمع شبابي متقارب في الفهم السياسي والرؤية المستقبلية العامة بعيداً عن أي ضغوط حقيقية سواء في الأسماء أو من خلال الوقت إضافة إلى معرفتهم بشكل أو بآخر بالشخصيات التي يرشحونها ودرجة المهنية العملية والسياسية لديهم، ومثل هذه المعايير لا تتوافر عند متخذ القرار الرسمي لاعتبارات شتى، منها ضرورة استيفاء البعد المحاصصي أو الترضيات السياسية أو الإملاءات المفروضة لأسماء وشخصيات بعينها ولمواقع محددة.

والسبب الآخر ولعله الأهم يعود إلى النمط التقليدي في طريقة تشكيل الحكومات على حساب الأسس والقنوات والمعايير السياسية التي يبينها الدستور، والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار اتجاهات الرأي العام ومؤشرات نتائج الانتخابات العامة، خصوصاً في ظل التنوع الكبير الذي يشهده المجتمع الكويتي رغم صغره وغياب الرؤية الحكومية الشاملة للمرحلة القادمة أو تصادم مثل هذه الرؤية إن وجدت ولو جزئياً مع التوجيهات الشعبية العامة والتطلعات التي ترجمها الناخبون من خلال صناديق الاقتراع.

ومثل هذا الفراغ يتم ملؤه بشكل عفوي تارة أو كرسالة مقصودة من قبل المجاميع المهتمة بإيصال صوتها ورأيها بشكل واضح في طبيعة التشكيلات الحكومية تارة أخرى، ولهذا يجب أن تتغير فلسفة وآلية ومنظور التشكيل الوزاري لتتناسب مع التطور الديمقراطي والنضج السياسي للمجتمع بدلاً من تحولها إلى مختبر للتجارب حلقات متكررة في سلسلة العناد السياسي المستمر دون جدوى وعلى حساب المستقبل الشعبي والرسمي على حد سواء.

back to top