الحكومة القادمة على محك توجيه البوصلة السياسية في الاتجاه الصحيح، وأول متطلبات الوجهة السلمية المطلوبة وجود برنامج متكامل وطموح قادر ليس فقط على استيعاب الرغبات البرلمانية ذات البعد الشعبي، إنما إيجاد حلول لها في منظومة تصب أخيراً في مصلحة التنمية الشاملة.وأخيراً وضعت الانتخابات أوزارها وتم الإعلان عن أعضاء مجلس الأمة للفصل التشريعي الجديد، فما التغيير الذي جاءت به صناديق الاقتراع قبل الموعد الأصلي للانتخابات بأكثر من سنتين؟ وهل كان حل مجلس الأمة حلاً لمشكلة العلاقة بين السلطتين؟
صحيح أن المجلس الجديد سوف يشهد تغيير نصف أعضائه تقريباً كوجوه وأسماء إما جديدة أو من مجالس سابقة لسنة 2006، ولكن من حيث التركيبة العامة فيكاد يكون نسخة مكررة من الفصول التشريعية الأربعة الماضية التي شهدت حل مجلس الأمة خلالها ثلاث مرات.
فمجلس 2008 يتشكل اليوم من كتلة إسلامية ذات ثقل عددي إلى جانب كتلة قبلية كبيرة نسبياً إضافة إلى عدة كتل متنوعة فكرياً ومذهبياً وعائلياً، وبنفس التركيبات السابقة يتألف مجلسنا الجديد من نواب الخبرة والعناصر الشبابية ونواب يمثلون نبض الشارع الشعبي، في مقابل ممثلي قطاع النخبة الاقتصادية والاجتماعية، وكغيره من المجالس القديمة فقد وصل البعض إلى المقاعد البرلمانية عبر قطار الفرعيات وشراء الأصوات أو لدفع فواتير وعود الواسطة والخدمات مقابل وعود الإصلاح والرقابة النيابية الجادة، وأخيراً لم يخل البرلمان القادم من عناصر التهدئة ونواب التصعيد السياسي أو التأزيم مع الحكومة الذين بدأت تصريحاتهم الإعلامية في الظهور مبكراً، وبعد ساعات من إعلان النتائج.
وباختصار شديد لم يتغير مجلس 2008 من حيث المضمون أو الماكينة البرلمانية عن سابقاته، ومن المؤكد أن يستمر الخطاب النيابي على نفس النهج التقليدي، ولربما بنبرة أكثر حدة في ظل تراكم مشاكل الخدمات العامة وارتفاع الأسعار والأوضاع المعيشية الصعبة لأغلبية الأسر الكويتية في وقت تواصل أسعار النفط ارتفاعها المطّرد، مخلفة وراءها فائضاً غزيراً من الإيرادات النقدية التي يسيل لها لعاب الجميع.
وليس من باب رمي الكرة في ملعب الحكومة إنما من خلال التحليل المنطقي والواقعي تبقى الحكومة القادمة على محك توجيه البوصلة السياسية في الاتجاه الصحيح، وأول متطلبات الوجهة السلمية المطلوبة وجود برنامج متكامل وطموح قادر ليس فقط على استيعاب الرغبات البرلمانية ذات البعد الشعبي، إنما إيجاد حلول لها في منظومة تصب أخيراً في مصلحة التنمية الشاملة، ولا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا من خلال رؤية حقيقية قائمة على فهم ظروف المستقبل ومتطلبات المرحلة القادمة والحشد لها نيابياً وشعبياً.
فلم يعد البلد يتحمل أي أخطاء مستقبلية في اتجاهات العمل من قبل السلطتين، ناهيك عن طبيعة العلاقة بينهما، فقد بلغت حالة الضجر والإحباط مستوى قد يعرض الأوضاع العامة لاهتزازات قد لا تحمد عقباها، وقد تطول المؤسسات الدستورية نفسها، بقصد أو من دون قصد خصوصاً مع وجود حاضنات الفساد وأعداء الديمقراطية بالمرصاد.