ملائكة المجلس و مصدَّات الفساد
من الملاحظ في الآونة الأخيرة أنه بمجرد الإعلان عن صفقة تجارية أو استثمارية ضخمة تكون الحكومة طرفا فيها فإن التهم تنهال، بالحق أو بالباطل، لتمس بعض أعضاء مجلس الأمة بزعم أن لديه منفعة أو مصلحة شخصية مباشرة في هذه الصفقة. ولسنا هنا بصدد نفي أو إثبات هذه التهم... ولكننا لاحظنا توجيه هذه التهم للأعضاء عندما طرح مشروع حقول الشمال وعندما طُرح مشروع المصفاة الرابعة وأيضا في المشروع الجديد المتعلق بشركة «كي داو». وأثيرت قبل ذلك عندما نوقشت مشاريع المدينة الإعلامية والفحم المكلسن وغيرها.
كما برزت هذه التهم أخيرا من خلال التصريح الصحفي للمهندس أحمد الجسار الوكيل المساعد في وزارة الكهرباء والماء الذي ذكر فيه وجود ضغوط كبيرة على الوزارة من قبل عدد من الأعضاء- لم يسمهم- لهم مصلحة مباشرة في صفقة تطوير «محطة الصبية». بالإضافة إلى ذلك، فإننا نجد أن بعض الأعضاء يمارس العمل التجاري ويترأس مجالس إدارات بعض الشركات التجارية والاستثمارية الخاصة التي ترتبط بعقود ضخمة مع الحكومة، مما يثير شكوكاً حول مدى حيادية القرارات التي يتخذها هؤلاء الأعضاء نتيجة لتشابك وتعارض المصالح الخاصة مع العامة. رُبَّ قائل إن هؤلاء الأعضاء لا يمثلون إلا مجموعة قليلة جدا داخل المجلس، وهذا قد يكون صحيحا، ولكن الشواهد الكثيرة التي يراها ويسمعها الناس تجعلهم لا يميزون بين تصرفات هذه المجموعة الصغيرة وتصرفات بقية الأعضاء الذين ليس لهم مصالح شخصية مباشرة فيما يتخذونه من قرارات وما يشرِّعونه من قوانين عامة. بل حتى لو سلَّمنا أن عدد الأعضاء المنتفعين شخصيا من وجودهم في المجلس قليل جدا، فإن هذا في حد ذاته يتطلب معالجة سريعة من قبل المجلس حتي نحافظ علي سمعة هذه المؤسسة الدستورية ونحميها مما يكيله ضدها أعداء الديمقراطية من تهم باطلة يراد بها تمهيد الطريق لعملية الانقلاب على النظام الديمقراطي الذي وضع أسسه دستور 1962.بالتأكيد، هناك كثير من التجارب العالمية المتنوعة التي يمكن الاستفادة منها، ففي برلمانات العالم كافة هناك آليات معينة لكيفية كشف تضارب المصالح ومنع وقوعها لأنه لا يمكن الاستناد فقط إلى أنه يجب أن تتوافر في عضو البرلمان درجة عالية جدا من النزاهة والأمانة ونظافة اليد أو الاعتماد علي فرضية أنه لا يمكن أن يتحول البرلمان كمؤسسة إلى أداة ابتزاز وفساد يستخدمه عديمو الضمير في تحقيق مصالحهم الخاصة، لأن هذه الصفات وتلك الفرضية قد لا تتحققان في الأعضاء جميعهم... لذا لابد من وجود أجهزة متابعة داخل المجلس لضمان تحقيق عدم تعارض المصالح الشخصية للعضو مع القرارات التي يتخذها.من ناحية أخرى، فإن من المسلَّم به أن المؤسسة التشريعية ليست منزهة عن الأخطاء، وأن أداءها لن يكون بالضرورة متميزا على الدوام، فحالها كحال أي مؤسسة حية بحاجة دائمة إلى مراقبة أدائها وتطويره، كما أن أعضاءها ليسوا ملائكة؛ فمنهم من يحاول تحقيق مصالحه الخاصة من خلال وجوده في المجلس، ومنهم مَن يستخدم الأدوات الدستورية المتاحة له في غير موضعها من أجل تحقيق أغراض خاصة، لذا لابد من وجود «مصدَّات» داخل البرلمان تحِد من فساد الأعضاء وتوقع عليهم عقوبات إن تطلب الأمر ذلك. ومرة أخرى... فإن هذه الآليات موجودة في برلمانات العالم الديمقراطي الحقيقي جميعها، وما يحتاجه المجلس، خصوصا في هذا الوقت الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، هو العمل بهذه الآليات الديمقراطية وتطبيقها التطبيق السليم.