قد يحكم البعض ممّن تابعوا المناظرات الرئاسية الاميركية بأنّ سباق المرشح الجمهوري الرئاسي وصل الى خواتمه. فالأزمة الاقتصادية المُستفحِلة، معطوفةً على الإرث الجمهوري المُثقل بسياساتٍ لم تُحمد عقباها، أسقطت سيناتور أريزونا، رمز البطولات الاميركية، ذاك الأبيض المُنحدر من سلالة أميرالاتٍ بأربع نجوم الى أسفل الدركات.
وعبثاً حاول ماكين في المناظرة الثالثة التي جمعته بخصمه في نيويورك دفع "عدوه" الأسود الى ارتكاب هفوةٍ، أو الاتيان بزلّةٍ تحوّل وصوله الى البيت الأبيض مجرّد حلمٍ بعيد المنال. لم يفلح "المُحنّك" حيث فشلت ماكينته الانتخابية. وخلافاً لما وعد به لم يقلب الأمور بشكلٍ يزيل الشكّ في فوزه الحتمي. فالاستطلاعات الأخيرة ما زالت تميل لسيناتور إيلينوي الذي سجّل عليه تقدماً بنسبة 49 مقابل 44 في المئة بين الناخبين المحتملين.هذا التقدّم المضطرد للديمقراطي في استطلاعات الرأي دفع بماكين إلى التحدّث بحدةٍ لم نلمسها فيه خلال المناظرتين السابقتيْن. لم يترك المُحارب العريق ثغرةً لم يتسلّل منها لتسجيل نقطةٍ على خصمه. وفيما حاول أوباما التركيز على الاقتصاد رمى ماكين بسهامه المسنّنة للنيل من "مصداقية الديمقراطي المزعومة" معيداً التذكير بعلاقته بالارهابي آيرز وصلاته بـ ACORN المتّهمة بتزوير توقيعات انتخابية، فعلّق أوباما بنبرةٍ واثقة: "لا يهمني إن أجهزتَ عليّ بحملاتك المُغرضة ومستعدٌّ لتحمّل المئات منها ولكنني لا أتصوّر أنّ الشعب الأميركيّ مهتمّ في ما يدور بيننا من سجالاتٍ سطحية وحروبٍ إعلامية تصل في بعض الاحيان الى حدّ الهذيان. أنا هنا لأناقش مسائل تهمّ الاميركيين في الصميم".وسُجِّلت لماكين نجاحاتٍ غير مسبوقة ولكنّها لم تكفل له أيّ تقدّم فعليّ خصوصاً أن أوباما أبقى على رباطة جأشه المعهودة وبرودة أعصابه المنقطعة النظير، فيما ظهر ماكين مكفهراً متجهماً كمن يحمل على صدره أطناناً من الاستياء. وحين اتهمه أوباما بالسعي لتمديد سياسات جورج بوش الاقتصادية العقيمة انتفض مدافعاً بلهجةٍ حاسمة: "سيناتور أوباما. لستُ جورج بوش. إن كنت تريد منافسته كان عليك الترشح قبل أربع سنوات"، فردّ عليه أوباما ببرودة: "ولكنك صوّتت أربع مرات من أصل خمسة في مجلس الشيوخ لصالح موازناته!".وتمحور تكتيك "الجولة الاخيرة" من معركة ماكين على خصمه ببذل الأخير جهوداً حثيثة لاظهار أوباما مرشحاً يسعى في هذه الاوقات العصيبة الى النيل من مدّخرات الأميركيين فأخرج بسحر ساحرٍ ورقة "جو السباك" محولاً إياه بين ليلة وضحاها الى نجمٍ بما أنّ اسمه ذُكر أكثر من 24 مرة. و"جو" هو السباك الذي التقاه أوباما خلال جولته الانتخابية في أوهايو فاستوضحه حقيقة نواياه في فرض ضرائب إضافية على الاميركيين ما يحرمه من شراء الشركة التي أمضى سنواته العجاف وهو يسقيها من عرقه وكدّه."ماذا تنوي أن تفعل بجو المسكين والملايين من أمثاله الذين يؤمنون بالحلم الاميركي؟ تريد أن تأخذ ثرواتهم لتنفقها على الآخرين؟ أن تبدّد حلمهم بإدارة أعمالهم عبر زيادتك للضرائبّ!" استشاط ماكين غضباً، فردّ أوباما بهدوء محدّقاً في الكاميرا من دون أن يرفّ له جفن: "ما أريده في الحقيقة هو إشراكه في توفير فرص مماثلة لإخوانه الاميركيين. لستُ من دعاة زيادة الضرائب ولكنني أدعو الى مدّ أثرياء هذا البلد أيديهم الى جيوبهم لانقاذ الفقراء واقتصادنا الحرّ الذي يؤمّن ريادتنا".ومهما اختلفت التكهنات وتنوعت التحليلات ثمة أمر واحد لا لبس فيه: لم ينَل ماكين من نجومية أوباما الذي تزداد حظوظ فوزه بالرئاسة مع دنو موعد الانتخابات النهائية، فماكين نفسه ردّد مراراً على مسامع الجميع أثناء مصافحته أوباما في ختام المناظرة: Good Job!، Good Job! ... دليل تواضع، أم انسحاب مشرّف لمحاربٍ مهزوم؟
دوليات
«الجولة الأخيرة» من المناظرات الرئاسية... نجومية ملحوظة لأوباما نافسه عليها «جو السباك»
17-10-2008