وجهة نظر : هل دخل الاقتصاد الكويتي حلقة التضخم المفرغة؟
يواجه الاقتصاد المحلي في الوقت الراهن خطر السقوط في دائرة التضخم النقدي ومتوالية معالجاته المباشرة المتمثلة في زيادة الأجور، وما يترتب عليها من تعاظم في حجم الضغوط التصاعدية على الأسعار، إن دخول حلقة التضخم التصاعدي، لابد أن يتمخض عن سلسلة مترابطة ومتتابعة من الزيادات التي يغذي كل منها الآخر الى درجة قد يصبح من الصعب معها الخروج من المشكلة أو حتى التقليل من حدتها.ويترتب على متوالية التضخم التصاعدي، كما تشير التجارب التاريخية السابقة في بلدان أخرى، حدوث تذمر اجتماعي واضطرابات وقلاقل بفعل التدهور المستمر في القوة الشرائية للعملة الوطنية، وعدم قدرة شرائح الطبقات الدنيا والوسطى في المجتمع على تلبية متطلباتها واحتياجاتها الضرورية من السلع والخدمات.
وفي ظل وفرة الايرادات العامة وفائض الموازنة الحالية قد تجد الدولة في زيادة السيولة النقدية عن طريق اصدار النقود منفذا ميسورا لمعالجة الاختناقات والأزمات المترتبة على صعود الأسعار، وهي ان فعلت ذلك فلن تسهم الا في سكب المزيد من الوقود على نار الأسعار التي ما تلبث أن تعاود الصعود الى معدلات قياسية جامحة يصعب لجمها.وتشكل فترة الانتخابات التشريعية الحالية، التي تترافق مع تزايد حدة التضخم في أسعار السلع الاستهلاكية على وجه الخصوص، وهي السلع التي يستشعر المستهلك وطأة صعودها يوميا، أرضية خصبة لعدد لا بأس به من المرشحين للقيام بدغدغة «جيوب المستهلكين» عن طريق اطلاق الوعود بالعمل على تحسين معدلات الرواتب والأجور في حال الوصول الى عضوية مجلس الأمة، وهي وعود تسهم إن تحققت ودون أن يدرك السواد الأعظم من المستهلكين، وربما دون أن يدرك عدد من المرشحين من أصحاب هذه المقولات، في تغذية حدة التضخم، وليس لجمه.ان على عاتق السلطات الاقتصادية ممثلة في وزارة التجارة والصناعة وأجهزتها وبلدية الكويت وأجهزتها مهمة رئيسية وملحة تتمثل في القيام بجهد أكبر وأوسع من خلال القراءة والمتابعة الميدانية المكثفة والمتواصلة لمتغيرات الأسعار وتكاليف الانتاج والاستيراد والتوزيع ومعرفة التحولات المتواصلة في أنماط العرض والطلب في أسواق السلع والخدمات للتمكن من فرز المبررات الحقيقية الموجبة لارتفاع الأسعار عن تلك المبررات الواهية المصطنعة التي يحاول من خلالها بعض موردي وتجار الجملة والتجزئة وأصحاب منافذ تسويق السلع والخدمات، بل والجمعيات التعاونية تحقيق مكاسب غير مشروعة مستغلين ظاهرة التضخم النقدي الراهنة. ولابد من أن تكون الاجراءات والعقوبات الرادعة المتخذة في هذا المجال واضحة ومعلنة، بهدف تحقيق استقرار الأسعار على المديين المتوسط والطويل.وليس سرا أن هناك تفاوتا كبيرا وملموسا بين أسعار السلع المعروضة في الأسواق المركزية لبعض الجمعيات التعاونية وبعضها الآخر، وتفاوتا بين أسعار السلع المعروضة في بعض هذه الأسواق والأسواق المركزية الخاصة، التي لجأ عدد منها في الآونة الأخيرة الى ظاهرة التخفيضات المعلنة في أسعار حزم مختارة من السلع الغذائية والاستهلاكية، وهذه ظاهرة لم تكن معروفة من قبل بين الأسواق المركزية التعاونية، ومطلوب من الأجهزة المختصة أن تتعرف على هوامش الأرباح الحقيقية في عملية تسويق هذه السلع بهدف تحديد قوائم السلع التي تتطلب التحديد خصوصا في حالة السلع الضرورية، ولاشك أيضا في حاجتنا الى قدر أكبر من الشفافية في عملية تسعير السلع والخدمات، بما فيها خدمات السكن وايجارات المواقع التجارية والاستثمارية، وتحديد هوامش الأرباح المحققة، فهذا جزء أساسي من حماية المستهلك والمحافظة على المستوى المعيشي اللائق لكل شرائح المستهلكين.وليس سرا أيضا أن هناك جهات كثيرة قد بالغت في تجاوز سقف أسعار السلع الضرورية المحددة بموجب قرارات وزارية سابقة، من دون أن يصدر من الوزارة المعنية أي تعديل في الجداول المعلنة لهذه الأسعار، وكما أشرت في مقالة سابقة استشرت ظاهرة عدم تقيد عدد من ملاك العقارات التجارية والاستثمارية بنصوص عقود ايجاراتهم المبرمة مع مستغلي هذه العقارات، وعدم احترام المدارس الخاصة لحدود الزيادة في الرسوم الدراسية السنوية المصرح بها من قبل وزارة التربية، وعدم احترام العيادات الخاصة لقوائم أسعارها السابقة والمبالغ بها أصلا في تعاملها مع المرضى، وقس على ذلك.ولست أغفل في هذا السياق دور السياسة النقدية الحاسم في التحكم بمعدلات التضخم النقدي، فعلى عاتق البنك المركزي تقع مهمة التحديد الكفؤ لجرعة الكتلة النقدية اللازمة للحفاظ على المعدل المرغوب فيه من النمو الاقتصادي في ظل أسعار مستقرة خاضعة للمتابعة والرقابة الميدانية.إن التضخم كرة ثلج تتدحرج مستغلة ثغرة هنا أو هناك في نصوص القوانين أو ضعفا في الرقابة والتطبيق، وعلى السلطات الاقتصادية أن تتحرك بسرعة وبجدية كافية من أجل تفادي المزيد من الآثار والتداعيات الضارة التي بدأت تلوح في الأفق بفعل هذا الانفلات الواضح في آليات التسعير والبيع في مختلف منافذ التسويق المحلية.* أستاذ الاقتصاد - جامعة الكويت