Ad

المؤسسة الرئيسة في الدولة، أي دولة، هي المؤسسة السياسية ولا شك، لأنها المحرك لحركة المؤسسات الأخرى جميعها، فإن صلحت تبعتها المؤسسات كلها على طريق الصلاح، وإن فسدت كان الفساد من نصيب المؤسسات كلها.

حين يأتيك مرشح فلا يتحدث إلا عن إصلاح التعليم أو الصحة أو الإسكان، وتكتشف أنه لا يعرف أسباب هذا التدهور أصلاً، ولا يدري كيف سيتم الإصلاح، فلابد أن تتوقف وتفكر في فداحة الجريمة التي ستقترفها في حق نفسك ووطنك إن أنت أعطيته صوتك، أقول هذا لأن أي شخص يسير في الشارع، وبغض النظر عن تعليمه وثقافته ومرتبته، بل وحتى قدراته العقلية، لن يقول بغير ضرورة إصلاح التعليم والصحة والإسكان، وبالتالي فما فرقه عن هذا الأستاذ؟!

المرحلة السياسية المقبلة من عمر الكويت ليست بحاجة لأي كان من أصحاب الأصوات العالية الفارغة، أو أصحاب العضلات والنشاط المفرط بلا طائل، بقدر حاجتها لأصحاب التفكير والحسابات العميقة والعمل الجاد من القادرين على رفع أبصارهم عن مواضع أقدامهم والنظر بعيداً لربط الأمور بمسبباتها.

ستكون مشكلة كبيرة أن يكون أغلب نواب البرلمان المقبل من الذين يعتقدون أن معالجة الغلاء يتم عن طريق إسقاط القروض وزيادة رواتب الموظفين، وأن إصلاح الصحة يكون عبر بناء مستشفيات جديدة، وما شابه ذلك من الأفكار. من يقولون بهذه الأطروحات هم من (خارج نطاق التغطية)، أو أنهم من داخلها ولكن يخادعون الناخبين ويدغدغون مشاعر البسطاء منهم!

إن الدولة ليست مجرد مجموعة من الأشخاص على أرض ما، يتم تسميتهم لمجرد تجمعهم هذا باسم دولة، وإنما تتجاوز ذلك بكثير. فالدولة هي المؤسسات التي تتشكل وفق اتفاق ضمني بين أفراد الشعب لإدارة شؤونهم ورعاية مصالحهم وحمايتها، سياسياً وقانونياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً. الدولة هي هذا، وإلا لأصبحت حتى تلك القبائل التي تسكن في مجاهل أفريقيا، دولاً لمجرد أن لديها أراضي وشعوباً وثروات طائلة. وبالتبعية فإن تطور الدولة مرتبط بمقدار تطور مؤسساتها. الدولة المتطورة هي ذات المؤسسات المتطورة. وكذلك فإن مقدار تطور المؤسسات مرتبط ببعضه بعضاً، فلا يمكن على الاطلاق أن تصل دولة ما إلى قمة التطور سياسياً، في حين أنها متخلفة اقتصادياً، ولا يمكن نهائياً أن تتطور دولة على الصعيد الطبي، وتتخلف على الصعيد التعليمي، وهكذا في كل مجال. تطور المؤسسات مرتبط ببعضه ويتحرك بعلاقة مثل علاقة أقراص الساعة المسننة بعضها ببعض، إذا دار قرص فمن المحتم أن تدور بقية الأقراص. قد يدور أحدها بشكل أسرع من غيره لاختلاف حجمه وموقعه، لكن لا يمكن أن يدور بعضها في حين أن بعضها الآخر لا يتحرك.

المؤسسة الرئيسة في الدولة، أي دولة، هي المؤسسة السياسية ولا شك، لأنها المحرك لحركة المؤسسات الأخرى جميعها، فإن صلحت تبعتها المؤسسات كلها على طريق الصلاح، وإن فسدت كان الفساد من نصيب المؤسسات كلها.

هذا الكلام الذي قد يبدو نظرياً جداً لبعضنا، أردت منه أن يقود إلى بضعة أسئلة سأسميها أسئلة المليون دينار، أولاً، هل يا ترى يدرك جميع الثلاثمئة مرشح وأكثر من الذين تقدموا لانتخابات 2008، أن سبب اختلال مؤسسات الدولة كلها هو اختلال المؤسسة السياسية في الأساس، وأنها إن صلحت تبعتها المؤسسات كلها، وإن فسدت كان الفساد من نصيب المؤسسات كلها؟ ثانيا، هل يدركون أن كل جهد لا يوجه، قبل كل شيء، لمواجهة فساد المؤسسة السياسية، بجانبيها التنفيذي (الحكومة) والتشريعي الرقابي (البرلمان)، لن يقود إلى أي نتيجة مؤثرة؟! ثالثاً، هل تراهم يدركون أن المؤسسة السياسية تعاني أصلا الاختراق على يد قوى الفساد متعددة الأطراف، وأن هذه القوى موجودة حتى في البرلمان نفسه؟! ورابعاً، السؤال الأكثر أهمية، هل يا ترى يدرك الناخب الكويتي أنه بحاجة إلى نواب على مستوى هذه الأمور وعلى قدر إدراكها واستطاعة التعامل معها ومواجهتها؟!

إجابة هذه الأسئلة أظنها مدار الأمر كله!