أرى في اللقاء الذي أجري على إحدى القنوات الدينية مع جمال البنا أن جانبين يشكلان تطورا حيويا بالنسبة لمفكر إسلامي أو شيخ دين: الأول أنه وضع نظاما «للزوم» الحديث، والثاني والأهم هو إعادة تعريفة لما يعتبر «السنّة»، التركيز على أسلوب الرسول القيادي أو أخلاقه أو تخطيطه الاستراتيجي أو إدارته للموارد.
لست من هواة البرامج الدينية، فرغم تطور التكنولوجيا وتوسع العلم تبقى معظم هذه البرامج في إطار القرن الهجري الأول من حيث المحتوى والعرض، ولكن أثناء انشغالي في قراءة الصحف اليومية قبل أيام جذب انتباهي حوار على قناة دينية بشكل جعلني أتحقق من اسم القناة لأتأكد من «دينيتها». الحوار كان مع جمال البنا المفكر إسلامي والشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حول التشابه بين أحد مقالاته وكتاب «تبصير الأمة بحقيقة السنة» لإسماعيل منصور.ورغم الضجة التي أثارها جمال البنا في آرائه الفقهية الثورية كحق المرأة في الإمامة وعدم وجوب الحجاب ورفض تكفير الارتداد من الإسلام إلى اليهودية أو المسيحية فإنه لم يثر اهتمامي حتى ذلك اليوم بحديثه عن تعريف السنة وتصنيف الأحاديث النبوية. استعرض البنا تاريخ توثيق الأحاديث النبوية، وكيف أن المدة الزمنية بين التوثيق ووفاة الرسول وأصحابه، وكم الأحاديث يعطي مجالا خصبا للخطأ في النقل وفي النسخ. ثم تطرق لكمية الأحاديث المنقولة عن الشخص الواحد والتي تجاوزت لدى أحدهم «الألف ألف»... أي مليون حديث عن شخص واحد! إضافة للتدخل السياسي الموثق من بعض الخلفاء لتأليف بعض الأحاديث لدعمهم سياسيا أو الإضرار بأعدائهم أو منافسيهم، وغيرها من الأدلة «الظرفية» على ضعف الكثير من الأحاديث، وهي معلومات غير جديدة تحدث فيها الكثيرون من قبله.الأهم برأيي جانبان من اللقاء يشكلان تطورا حيويا بالنسبة لمفكر إسلامي أو شيخ دين: الأول أنه وضع نظاما «للزوم» الحديث حتى يتحاشى نقاش الإسناد وغيرها من الضوابط التقليدية، وأهم عناصر هذا النظام اتساق الحديث مع المنطق والعلم من ناحية، والتوافق مع آيات القرآن من ناحية أخرى، وبناء على ذلك حدد أكثر من 600 حديث «غير لازمين» في صحيحي البخاري ومسلم. الجانب الثاني والأهم هو إعادة تعريفة لما يعتبر «السنّة»، ففي رأيه أن شيوخ الدين ارتكبوا خطأ تاريخيا في تركيزهم على ما اعتبره «القشور» في سنّة الرسول كطريقة النوم أو الاستحمام أو لحس اليد أو حتى وضع اليد أثناء الصلاة وعدم الالتفات للجوانب الحقيقة للسنّة كأسلوب الرسول القيادي أو أخلاقه أو تخطيطه الاستراتيجي أو إدارته للموارد الشحيحة أو تشجيعه وتحفيزه للآخرين وغيرها من المهارات القيادية والإدارية التي تشكل روح رسالة وتميز الرسول. فكرة مجنونة وجميلة جداً، ومن شأنها أن تقضي على معظم إن لم يكن كل الاختلافات والخلافات السطحية والسخيفة بين المذاهب والطوائف الإسلامية، وتقربنا أكثر من أسباب النجاح بدلاً من التشبث بأسباب الفرقة والتخلف، فهل هنالك من يعي ويهتم؟للمزيد من التفاصيل حول أفكار وآراء جمال البنا:http://www.islamiccall.org
مقالات
جمال أم جنون؟
30-01-2009