إبداع الطغاة
الطود عالي ما يدني شماريخه
من جار سوء على الجار درار من اللبن مغرز والسوء دايم نفيخه لو هي أمطرت تمطر العار (الندا) منا وجمعهم دايم صريخه ديوان كسرى نحمي منها الأدبار بالقادسية وأمثالها نحمي أفاريخه بجيش لا ينثني على العدو جرار يدعمه رب الكون وقادة صواريخه يلهج باسمك الأزغار والأكبار (الشاعر صدام حسين)! حينما سادت الحضارة الرومانية وأصبحت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؛ لاتساع الإقليم والبلدان والبحار التي سيطرت عليها في أنحاء المعمورة، ووصلت إلى حد من الثراء و«الفخفخة»، وازدهرت فيها فنون النحت والفلسفة والشعر والأدب والموسيقى، أصيب أحد قياصرتها بـ«لوثة» الفن ليضيف إلى مجده مجداً لم يبلغه سابقوه؛ فأخذ يكتب الشعر ويؤلف القطع الموسيقية كيفما اتفق، وذات يوم عنّت له فكرة «مجنونة» حقا. ألا وهي أن يكتب قصيدة عن «مدينة تحترق» ويضع لها لحناً مميزاً ينسجم مع إيقاع القصيدة؛ ولكي تكون فكرته واقعية مئة في المئة فقد أمر جنوده أن يحرقوا «روما»؛ ليجلس في شرفة القصر يتأمل المشهد ليكتب القصيدة المأساة، وبالفعل كان له ذلك، ولكن الغريب في الأمر أن التاريخ لم يحفظ تلك القصيدة المشؤومة، بل حفظ «الفعلة» المشؤومة لذلك القيصر المشؤوم الذي كان اسمه «نيرون» الذي أحرق أجمل مدينة في الدنيا من أجل نزوة طاغية عنيدة. *** ذلك الفعل النيروني الجنوني الذي يجسد مأساة تعلق الطغاة بالفن، يذكرني بأن «هتلر» كان رساما تشكيليا تتركز أعماله في الدمار والكوارث التي جسدها على أرض الواقع «فعلا» عبر حروبه المدمرة التي اجتاحت الكرة الأرضية وخلفت الخراب والدمار. وأيضا تذكرني بأن الرئيس العراقي الأوحد، والمفكر الأوحد، والشاعر الأوحد، إلخ... إلخ....الأوحد. صدام حسين حينما تعلّق بالإعلام أصبح يغطي كل برامج تلفزيون العراق بزياراته الغريبة والعجيبة؛ فهو فلاح مع الفلاحين، وعامل مع العمال، وجندي مع الجنود، وراع مع الرعاة. وحينما همس في أذنه ذات يوم وزير إعلامه العتيد لطيف نصيف جاسم، بأن ذلك لا يجوز، قال له غاضبا: إذن بماذا ستملأ ساعات البث؟ فقال له لطيف جاسم (متحايلا): بالقرآن الكريم مثلاً، فقال له صدام: لا بأس شريطة أن أكون أنا المقرئ! ومنذ ذلك التاريخ أخذ صدام حسين يملأ خطاباته بالآيات الكريمة سواء أكان الاستشهاد في موقعه أم لم يكن؛ فأصبح هو رجل الدين الوحيد، والإعلامي الوحيد. وحينما أشار إليه لطيف جاسم بأن يترك مجالا للأدب والأدباء، اعتكف صدام حسين ليكتب رواية بعنوان: «زبيبة والملك»، وطرد جميع الروائيين المبدعين خارج العراق، وأصبح صدام حسين هو المقاتل الأوحد، والإعلامي الأوحد والأديب الأوحد؛ ولأن شعب العراق بطبيعته شعب مبدع على كل الصُّعُد ومنها الشعر، فقد غار صدام حسين من شعراء العراق وطردهم كلهم؛ ليكون هو الشاعر الأوحد أيضا. ولكن المؤسف حقا أن هذه الموهبة لم تهبط عليه إلاّ في أيامه الأخيرة في السجن. وما أشرنا إليه آنفا في مستهل هذه المقالة من (شعر!!) ما هو إلا الإبداع الأخير للرئيس «المبدع»، ولكننا حقيقة لا نعرف كيف «نصنّف» بل كيف نفهم هذا الشعر؟!