خذ وخل: غياب الشأن الثقافي!

نشر في 13-05-2008
آخر تحديث 13-05-2008 | 00:00
 سليمان الفهد

إن الرياضة تحظى بالمريدين الغيورين عليها، لكن الشأن الثقافي غائب عن أجندة الحكومة الرشيدة، ومجلس الأمة الراشد... هو الآخر! فحين نظر المجلس الراشد في ميزانية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لم يفتح الله سبحانه على النواب «النوام» ساعتها سوى بأسئلة سمجة حول نقل موظفين وفق لعبة الكراسي الموسيقية.

كنت أتوقع من المرشحة الروائية «طيبة الإبراهيم» أن يكون الشأن الثقافي على رأس اهتماماتها، لاسيّما أن الثقافة والفنون والآداب تيتّمت بعد وفاة رُعاتها وحماتها رحمهم الله! الحق أنه راعني خلو أجندة الأديبة المرشحة من أي إشادة تشي يغيرتها على الشأن الثقافي، وسعيها إلى إعادة الاحتفاء بها، علّها تعاود سيرتها المتألقة في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.

إن من حق وواجب الأخت المرشحة اختيارها الدفاع عن حقوق المرأة المستلبة، لكن تناسيها شؤون وشجون الثقافة موقف غير مبرر، وغير مفهوم بالنسبة لي على الأقل.

الحق أني أغبط الحركة الرياضية في بلادنا، رغم أن حالتها المتردية لا تستأهل الغبطة! ذلك أنها ليست يتيمة كالثقافة، بل هي محفوفة بالعديد من الوزراء والنواب وذوي الحيثية الذين يسعون إلى إقالتها من كبواتها، ومحاولة تشخيص وعلاج مواطن الخلل والعلل في قوامها المريض!

إن موطن الغبطة بشأن الرياضة هنا يكمن في كونها تحظى بتأييد شعبي يضغط في اتجاه إصلاح حالها السقيمة، وإن هذا التأييد يجد صدى لدى مريدي الرياضة داخل مجلس الأمة وأهل السلطة، فضلا عن الحكومة، ومن نافل القول التقرير بأن الرياضة في البلاد تستأهل هذا الاهتمام والاحتفاء والاحتشاد من قبل كل المعنيين، كونها جزءاً عضوياً من عملية التنمية البشرية. ولو كان المجال يسمح لأوردنا إحصاءات مذهلة بشأن مظاهر اهتمام دول العالم الأول بالرياضة، وتجلياتها في عدد الأندية واللاعبين في كل لعبة ورياضة... وما إلى ذلك.

باختصار: لا نجادل في حق الرياضة بالدعاية والاحتفاء اللذين يصلان إلى حد الدلال، لاسيما أن كرة القدم ليست مدورة فحسب بل إنها باتت مسيسة، وأصبح اللاعبون أبطالا وطنيين يكللون بالغار عند الانتصار، ويحملون على الأكتاف من المطار «ومعذرة عن السجع الذي اقتحم السياق بسبب «الطوز» والغبار!».

الشاهد أن الرياضة تحظى بالمريدين الغيورين عليها، لكن الشأن الثقافي غائب عن أجندة الحكومة الرشيدة، ومجلس الأمة الراشد... هو الآخر!

* والشيء بالشيء يذكر... فحين نظر المجلس الراشد في ميزانية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لم يفتح الله سبحانه على النواب «النوام» ساعتها سوى بأسئلة سمجة حول نقل موظفين وفق لعبة الكراسي الموسيقية. لم يثر حضرات «النوام» أي علامات استفهام وتعجب بشأن قضايا ثقافية ضرورية شتى: مثل إنشاء فرقة موسيقية وطنية قوامها من العازفين الكويتيين وليسوا من الأشقاء العرب الذين نجبرهم على ارتداء الزي الوطني «لتكويت» الفرقة شكلاً... أقول ذلك مع تقديري لهم ولإبداعهم الذي يخبره الجميع عن فرقة الإذاعة الصامدة. في حين نجد أن سلطنة عمان تمكنت في غضون عقدين من الزمن من إنشاء فرقة أوركسترا للموسيقى السيمفونية كل عازفيها (من الجنسين) ينتمون إلى السلطنة، والجميع يعرف أن الوطن يفتقر إلى مسرح حديث وفق المواصفات العالمية التي تسمح له باحتضان العروض الفنية المسرحية والموسيقية السيمفونية، وغيرها من العروض التي نشاهدها على مسارح جل أقطار مجلس التعاون، ولعلنا نلاحظ عند الآخرين أن الرياضة والثقافة تحظيان بنفس الاهتمام والرعاية، ولذا نجدهما في تمام عافيتهما الإبداعية! ذلك أن الفعل التنموي كلّ لا يتجزأ، ولا يصح أن يكون «مطرة صيف» تنعش الرياضة وتنعش الثقافة! ولو لم يقم بعرض المواطنين الغيورين على الثقافة والفنون والآداب بإنشاء مؤسسات تُعنى بالآداب كمؤسسة الشاعر عبدالعزيز البابطين التي كرست أنشطتها للاحتفاء بالشعر والشعراء بجميع أشكاله: تدوينا ونشراً وترجمة... إلخ.

وهناك النشاط الثقافي الفني الرفيع الذي تقدمه «دار الآثار الإسلامية» بإشراف الشيخة «حصة صباح السالم» فضلا عن الجوائز الأدبية للمبدعين الشباب الواعدين في القصة والشعر والرواية والبحث، والمشرعة لكل الشباب العرب، التي قامت بها «دار سعاد الصباح» ومازالت مستمرة في أداء هذه المهمة بإصرار ودأب واضحين. ولست بصدد تعقب كل الأنشطة الثقافية الأهلية لضيق المساحة، لأن ذكر المؤسسات السالفة الذكر كان على سبيل المثال لا الحصر. من هنا تأتي أهمية مشاركة المؤسسات والشركات والأفراد الميسورين في عملية التنمية، كما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وغيرها حيث تجد أن الجامعات والمعاهد ومراكز البحث والمسارح والملاعب والحدائق... إلخ، يعمرها الأفراد والمؤسسات والشركات وأمثالها من دون أن ينعتوا أنفسهم بأنهم أهل الكرم والجود إلى آخر مفردات الموال الذي نتغنى به بمناسبة ومن دونها!

إن «بيل غيتس» لا ينتمي إلى قبيلة طي، ومع ذلك تبرع بنصف ثروته للأعمال الخيرية ربما لأنه ينتمي إلى أمة اعتاد مواطنوها على العطاء والمساهمة في عمارة الأرض بما ينفع الناس من دون تطبيل ولا طنطنة ولا إعلانات!

back to top