من الملاحظ أن الحكومة تستنفر كل قواها عند تقديم الاستجواب البرلماني أو حتى بمجرد إبداء النية لتقديم الاستجواب، فلم يمر أي استجواب برلماني من دون عملية استنفار حكومية شاملة وعلى جميع المستويات تتعطل فيها الحياة العامة، وتغلق الحكومة أبوابها كافة تقريبا. هذا الخوف والاستنفار الحكوميان من الاستجوابات جعلا عمليات التهديد بالاستجواب أو تقديمه فعليا أدوات فاعلة بيد النواب، حتى لو كانت المواضيع الواردة في صحيفة الاستجواب لا ترقى فعليا إلى مستوى المساءلة السياسية، ولن تحوز على ثقة الأغلبية البرلمانية، وهذا ما يجعلنا نتساءل بدهشة حول مبررات الخوف الحكومي المستمر من الاستجوابات، خصوصا أن مجلس الأمة لن يكون مجلسا فاعلا من دون استخدام الأعضاء أدواتهم الدستورية، بما فيها الحق في استجواب رئيس الحكومة والوزراء كافة. ثم هذه هي طبيعة الحياة البرلمانية، فبرلمانات العالم الديمقراطي كافة تناقش الاستجوابات من خلال الأطر الدستورية واللائحية، وغالبا ما يمر على هذه البرلمانات أكثر من استجواب في الأسبوع الواحد، بل إن بعضها يناقش أكثر من استجواب بنفس اليوم، ولم نر أن هنالك جزعا أو خوفا أو استنفارا حكوميا عاما من هذه الاستجوابات التي يستخدم بعضها من قبل أعضاء الأحزاب المعارضة كـ«تكتيك» سياسي بهدف إحراج الحكومة ودفعها للاستقالة، سواء من أجل تشكيل حكومة أخرى جديدة أو من أجل الدعوة لانتخابات مبكرة قد تغير بعض أو كل المعادلات السياسية القائمة. وبالطبع فإن بعض هذه الاستجوابات لا يخلو من عملية التعسف في استخدام السلطات الدستورية لأعضاء البرلمان، لكن رغم ذلك فإن الحكومة، في الدول الديمقراطية، إذا أرادت الاستمرار، لا ترفض الاستجواب لأنه حق أصيل للبرلمان، بل تقوم بالدفاع القوي عن سياساتها العامة وتواجه الأعضاء المعترضين عليها وتفضح مخططاتهم لإسقاطها وتثبت لبقية الأعضاء وللشعب كافة أن سياساتها صحيحة وتحصل، بالتالي، على ثقتهم. وإذا ما نظرنا إلى واقعنا فإننا نجد تشابها نسبيا مع ما يحصل في دول العالم الديمقراطي كافة من ناحية أن هناك قوى معارضة سواء داخل أو خارج مجلس الأمة لا ترغب باستمرارية الحكومة لأسباب ليس من الضروري أن نوافقها عليها، ولكن هي تراها وجيهة، لذا فإنها تضع العراقيل أمام الحكومة باستمرار لإثبات فشلها ودفعها على الاستقالة، وهذا يعتبر جزءا من اللعبة السياسية الموجودة في بلدان العالم الديمقراطي كافة، ومن المفروض أن يعيها من له أدنى معرفة في الشأن السياسي، على أن الرد العملي على القوى المعارضة للحكومة، يكون من خلال دفاع الحكومة عن برامجها وسياساتها وقراراتها وتمسكها بها حتى لو أدى الأمر إلى مواجهة أكثر من استجواب لأن النجاح في الرد على الاستجوابات البرلمانية وإثبات صحة ما تقوم به الحكومة يعني المزيد من الثقة الشعبية بقراراتها والعكس صحيح.

Ad

لهذا وبمناسبة ما يثار عن نية بعض أعضاء مجلس الأمة ممارسة حقهم الدستوري في تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء على خلفية دخول أحد الوافدين إلى البلاد (لم تتضح الصورة بعد وقت كتابة هذا المقال) فإن المفروض على الحكومة، لاسيما أنها تردد ثقتها بصحة إجراءاتها، مواجهة الاستجواب لكسب ثقة الشعب بالقرارات والإجراءات الحكومية من ناحية ولجعل الاستجوابات البرلمانية، كما هو الوضع في برلمانات العالم كافة، جزءا من ممارساتنا الديمقراطية الراقية من ناحية أخرى. أما تحميل بعضهم، بحسن نية أحيانا، مجلس الأمة كسلطة دستورية تبعات التردد الحكومي وعدم تقبل الحكومة لما تفرضه الممارسة الديمقراطية من معادلات سياسية قد لا ترضيها، أو إلقاء اللوم على المجلس أو على الدستور أو ترديد مقولات ساذجة وسطحية مثل «نحن شعب لا نستحق الديمقراطية» بمجرد قيام بعض الأعضاء ببعض الممارسات الخاطئة التي تحصل في أحسن برلمانات العالم، وعلى الرغم من أن الديمقراطية ليست مجلس الأمة فقط أو مثل «أن مجلس الأمة هو سبب توقف التنمية» مع أن الحكومة هي المفروض أن تقود البلد بينما ينحصر دور مجلس الأمة في التشريع والرقابة فقط، فإن كل ذلك ينم عن عدم نضج ونقص في الوعي السياسي. والمصيبة أن ترديد مثل هذه المقولات السطحية سيساهم، أراد حسنو النية أو لم يريدوا، في الحملة التي يقودها دعاة الانقلاب على النظام الديمقراطي الذي اختاره وارتضاه الشعب الكويتي.