أفهم أن عدداً من الليبراليين العرب الجدد الذين انبهروا بصعود ما سمي يومها بـ«النظام العالمي الجديد» في تسعينيات القرن الماضي كانوا يستنكرون على الإسلاميين استمرارهم في رفع راية الكفاح المسلح ضد الصهيونية ومطالبة الأمة بحشد طاقتها كلها من أجل تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة كاملة من النهر إلى البحر، معتبرين أن ذلك «بات ضرباً من العبث في ظل الصعود الأميركي الصاعق وبروز مقولات نهاية التاريخ والإيديولوجيا وتالياً الفكر الديني.»، كما كان يقال لنا آنذاك!
كما أفهم أيضا أن استمرار الإسلاميين في نهجهم المشار إليه كان ولايزال يشوش على تلك النخبة الليبرالية التي وضعت نفسها في تصرف عدد من رجال الأعمال والمال الذين لم يعودوا يرون أفقاً لتجارتهم وكسبهم وزيادة رصيد ملياراتهم إلا بالتماهي مع العولمة الأميركية والرأسمالية المتوحشة! لكنني لا أفهم ولا أتفهم أن تصل الأمور ببعض من هؤلاء عندما تحشرهم الأحداث في الزاوية إلى «الكفر» بكل شيء واعتبار كل مَن هو مختلف معهم، لاسيما من الإسلاميين، ليس سوى أداة في خدمة «العدو» الذي استبدل البتة ليصبح الجار الإيراني المسلم بديلاً عن العدو الصهيوني!اقرؤوا معي بعض العناوين في هذا السياق وهي كما يلي:لقد سقطت بيروت بيد الإيرانيين!ماحصل أخيراً لبيروت ليس سوى احتلال ثان على يد فرقة من الحرس الثوري الإيراني!لقد باتت سورية أداة طيعة تنفذ المخطط الإيراني الجهنمي!لقد أصبحت «حماس» دمية في يد الإيرانيين!إن إيران باتت خطراً داهماً على الأمن القومي المصري بعد أن باتت على حدودنا المباشرة!إن ليل العرب الخائفين من إيران سيطول مع التمدد الإيراني!... وبالتالي ليس أمام هؤلاء إلا المواجهة مع إيران!«حزب الله»... ما أقبحها من صورة... إنها الصورة التي تعكس ملامح الدولة الإيرانية التي يُراد زراعتها في العالم العربي!هذا غيض من فيض من مقاطع لمقالات عالجت الأحداث الأخيرة المتسارعة في المنطقة، لاسيما في ما يتعلق بمخطط جهنمي معد للبنان لإلحاقه بالفتن الطائفية المتنقلة انطلاقاً من النموذج العراقي البشع والمقيت!أعود وأقول إنني إذ أتفهم أن بعضاً من أفراد أو قوى أو أحزاب أو أنظمة قد تعب أو تراجع أو غيّر من رأيه أو حتى أنه قرر أن يتنازل عن الانتماء لأمته، لكن ما لا أفهمه ولا يمكن أن يتقبله عاقل هو أن يتمادى هذا البعض ليضع نفسه وكيلاً عن الأمة ليقرر نيابة عنها إسدال الستار على الكفاح والجهاد، وأن يشتم أويتعدى على كل مَن تسول له نفسه حمل البندقية أو التضامن مع حملة البندقية!أعرف وأتفهم أن قضية فلسطين، وقضية لبنان أيضاً، وكذلك قضية العراق هي قضايا عربية بامتياز!لكنها هي قضايا إسلامية بامتياز أيضا، وبالتالي فإن من حق المقاومة في هذه البلدان أن تستنجد بالمسلمين كلهم للحصول على الدعم والمساندة بأشكالها كافة، وأن من حق المسلمين بل من أوجب الواجبات عليهم أن يلبوا النداء وإلا فهم ليسوا بمسلمين حسب الحديث الشريف!وبالتالي، فإن مَن يريد الإيقاع بين حملة البندقية العربية المقاومة ومحيطها المساند والداعم لها، إنما يضر بأمة العرب وبقضايا العرب قبل أن يضر الآخرين المختلف معهم! إن ذنب إيران الوحيد هو أنها، بعد أن أصبحت دولة حرة مستقلة تنبع قراراتها من داخلها، قررت في ما قررته من قرارات رفع الراية التي أسقطها آخرون في إطار ظروف فيها «شبهة» التخلي عن الأخوة... هذا في الحد الأدنى إن لم نذهب بعيداً كما يفعل الكثيرون!ولا أريد هنا أن أدخل في الأسماء، لكنني أستحضر مقطعاً آخر لكبير هؤلاء الذي علمهم السحر عندما كتب بالحرف الواحد يوما: «بقدر ما كنت سعيداً بضرب مفاعل تموز العراقي، سأكون أكثر سروراً بقصف وتدمير مفاعل بوشهر الإيراني...»، كما جاء في افتتاحية صحيفة ناطقة بالعربية، لأقول للسيد سعد الحريري ابن المغدور رفيق الحريري- الذي عرفته جيدا كما عرفه الكثيرون مختلفا عن هؤلاء- وإلى حلفائه العرب ممَن يريدون دعم لبنان:«ما هكذا تورد الإبل... يا سعد»، كما يقول المثل العربي المأثور!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني
مقالات
ما هكذا تورد الإبل... يا سعد!
15-05-2008