Ad

شاءت إرادة الله أن يكون موعدنا مع وداع الشيخ سعد قبل سنوات، وليس بالأمس عندما فاضت روحه عن هذه الدنيا، فقد كانت أيام المرض الأخيرة هي ساعة الوداع عندما خسرت الكويت عطاءه وبذله، وقد خيم الحزن الكبير على قلب كل كويتي عندما ضرب الشيخ سعد العبدالله موعداً آخر مع الوداع.

رحل المغفور له الأمير الوالد سمو الشيخ سعد العبدالله الصباح إلى بارئه، ورقد بسلام في ثرى وطن طالما تلذذ بخدمته في الحلوة والمرة، ولم يتغير عطاؤه أو يتزحزح إخلاصه رغم التقلبات والتطورات التي شهدتها الكويت قبل النفط وبعده، وقبل الاستقلال وبعده، وقبل العدوان الصدامي وبعده، فكان فارساً في كل المراحل وبطلاً وطنياً في جميع المناسبات.

وكان حب الكويت نابعاً من قلب صادق، حيث كانت تلك الكلمة لا تغادر شفتيه في كل مجلس ولقاء ومع الجميع، وشهادة للتاريخ فقد كنت مع وفد برلماني برئاسة الرئيس الخرافي لمقابلة الأمير الوالد رحمه الله، وهو في أصعب ظروفه المرضية، وكانت الكلمات تخرج بصعوبة بالغة من حنجرته، ولكن في هذا اللقاء القصير جداً الذي لم يتجاوز بضع دقائق ذكر اسم الكويت والدعاء لها بالخير والدعوة للعمل من أجلها أكثر من عشر مرات.

ولا نريد هنا تسطير مآثر المغفور له الشيخ سعد العبدالله، فأي مجال يسع خدمته على مدى ستة عقود تدرج خلالها في مختلف مواقع المسؤولية والعطاء حتى أصبح أميراً للبلاد، ولكن قد يكون من المناسب أن نستعرض بعض جوانب شخصيته كإنسان يتمتع بالتواصل، فيزور ويزار، وينزل إلى أعماق المواطنين في بيوتهم ومجالسهم يتعاطى مع الصغير والكبير بنفس الروح الأبوية والأخوية، ويستقبل في ديوانه كل فرد من أفراد المجتمع ليس في الأعياد والمناسبات بل على مدار السنة، وهو في سدة ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء.

وعلى الرغم من بعض الانفعالات وتعابير الغضب التي تعلو محياه أثناء بعض المناقشات الحامية فإن تلك الابتسامة العريضة والمشهورة كانت سرعان ما تغلبه وتتمكن من قلبه ووجدانه خلال لحظات قليلة كتعبير واقعي عن صفاء النفس وشفافية الروح الكبيرة في داخله.

وكان الأمير الوالد مثالاً لقمة الولاء والوفاء لأخيه الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، في حفظ شرعية الكويت ورمزها في اللحظات الأولى للغزو الصدامي عام 1990، وكان لفطنته وحكمته في تلك المواقف العصيبة الفضل بعد فضل الله ولطفه، بأن نكون مرة أخرى اليوم على أرضنا وبين إخواننا ننعم بظلها بالأمن والاستقرار والرخاء والحرية والاستقلال، فإن هذا دين في رقابنا تجاه هذا الرمز وذاك القلب الأبوي الحنون برد هذا الجميل معاً لهذه الأرض بالمحافظة عليها وطناً وملاذاً وذخراً وأمانة في أعناقنا.

وشاءت إرادة الله أن يكون موعدنا مع وداع الشيخ سعد قبل سنوات، وليس بالأمس عندما فاضت روحه عن هذه الدنيا، فقد كانت أيام المرض الأخيرة هي ساعة الوداع عندما خسرت الكويت عطاءه وبذله، وقد خيم الحزن الكبير على قلب كل كويتي عندما ضرب الشيخ سعد العبدالله موعداً آخر مع الوداع كأمير للبلاد في يناير من عام 2005، وكان بالفعل أميراً للوداع قبل أن يودعنا إلى الأبد، وهذه المرة كوالد للجميع وأب لكل الكويتيين ورمز للكويت وطناً وكياناً وتاريخاً، فوداعاً يا أبا فهد وإلى رحمة الله ورضوانه وإنا لله وإنا إليه راجعون.