لم تتح بعد الفرصة لمعرفة تجاوب الجمهور المصري مع مهرجان السينما لحقوق الإنسان، الذي تعقد دورته الأولى هذه الأيام في القاهرة. المبادرة ليست الأولى في العالم العربي، لكنها لاتزال في بداياتها، وتحتاج إلى الكثير من الجهد والتشجيع لتأمين استمراريتها وتوسيع رقعتها الجغرافية عربيا، أسوة بمهرجانات سينما حقوق الإنسان العالمية.

Ad

معرفة مدى استجابة الجمهور المصري لمبادرة مماثلة، مهم جدا كي لا تصبح هذه التجربة مع الوقت نخبوية تنحصر في إطار المنظمين والنشطاء الحقوقيين وبعض الإعلاميين، وهناك عقبات كثيرة قد ترجح هذا الاحتمال إن لم يجر تداركها، قبل أن تفقد التجربة بريقها.

فهناك كم هائل من الأفلام الوثائقية التي تروي أحداث وتجارب ومعاناة الناس عبر العالم، فتوثق الانتهاكات بجميع أنواعها، وتسرد التفاصيل الصغيرة التي لا يمكن للخبر أو البيان الصحفي أن يسجلها، وتحكي قصص الألم والقهر، جنبا إلى جنب مع قصص المقاومة اللاعنفية والتسامح والحرية، وميزة تلك الأفلام، أنها تنتقل بقضايا حقوق الإنسان من لغة الأرقام ونصوص المواثيق الدولية والبيانات الحقوقية الجافة بطبيعتها، إلى لغة أكثر بساطة وحميمية وقدرة على التأثير.

هنا توجد ملامح محددة لوجوه أشخاص بعينهم يروون معاناتهم، قبور تنبش أمام شاشات الكاميرا، وجلادون يعترفون بجرائمهم، وضحايا كرسوا أنفسهم للدفاع عن قضاياهم وقضايا أمثالهم، وذلك من غير إهمال الجوانب الفنية والإخراجية العالية المستوى. وغالبا لا تقتصر تلك الأفلام على العرض السلبي للقضية المطروحة، بل تستعرض احتمالات المعالجة وأفقها، وتمنح الشعوب الأخرى التي عانت أو تعاني انتهاكات مماثلة أو مشابهة، فرصة للاستفادة من تلك التجارب بحيثياتها ونتائجها.

على الرغم من أهمية تلك الأعمال ومضمونها الإنساني الذي لا يمكن إلا أن يثير اهتمام أي مشاهد في أي بقعة من العالم، فإن عددا محدودا جدا منها يتناول قضايا حقوق الإنسان في عالمنا العربي، إن استثنينا فلسطين ربما، وكثير من تلك الأفلام، كانت بقدرات إخراجية وإنتاجية متواضعة، وليس ذلك بمستغرب نظرا للظروف التي من المتوقع أن يعمل ضمنها أصحاب مثل هذه التجربة، لجهة الرقابة الأمنية وكثرة المحظورات والخطوط الحمراء وحذر أو استنكاف ضحايا الانتهاكات عن الإدلاء بشهاداتهم والتحدث عن تجاربهم. لكن صحيح أيضا أن المحاولات لاتزال قليلة وتحتاج إلى مثابرة وبذل جهود أكبر، وحتى على صعيد الأفلام الروائية التي تدخل في إطار سينما حقوق الإنسان عربيا، لا تبدو المحصلة مرضية بالحد الأدنى.

من ناحية أخرى، ربما تحتاج مثل هذه التجربة إلى مشاركة شخصيات عامة فنية وثقافية تقربها من الجمهور في المرحلة الأولى، وتعطيها زخما إعلاميا أكبر، ومن الملاحظ أن كثيرا جدا من الفنانين العرب، تماما مثل حكوماتهم! لا يتذكرون حقوق الإنسان إلا عند الحديث عن الاحتلال الخارجي، عن فلسطين والعراق، بل إن بعضهم ممن جسدوا أدوارا تخدم قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان في أوطانهم، نسفوا في لقاءات صحفية ما أدوه أمام الكاميرا، عبر كيل المديح لآلة القمع الرسمية والتبرؤ من الضحية!

يبقى أيضا، إعطاء الفرصة للأطفال للاطلاع على سينما حقوق الإنسان المعدة من قبل منظمات حقوقية دولية كمنظمة العفو الدولية، لمساعدة أجيال المستقبل على معرفة حقوقهم والتشبع بقيم الحرية والتسامح بأساليب مبسطة وشيقة. ويجب أن يتوافر عرض مثل هذه الأفلام في صالات السينما- لا بد أولا من الشروع في بناء هذه الصالات في كثير من الدول العربية! كما يجب أيضا أن تتوافر في المدارس لتعرض في حصص التربية المدنية- طبعا لابد أولا من تخصيص مثل هذه الحصص في مناهجنا التعليمية! ويمنح التلاميذ بعدها الفرصة للمناقشة والإدلاء بدلوهم، والتدرب على ممارسة حقوقهم مع زملائهم وأساتذتهم، بدءا من التعبير الحر عن أنفسهم وانتهاء بالترشح وخوض الانتخابات على مستوى الصف أو المدرسة.

طبعا، هذا الاقتراح الأخير سمج جدا، فمن يبدأ بترشيح نفسه لرئاسة الصف، قد ينتهي به الأمر بعد سنوات لترشيح نفسه لرئاسة البلاد... درءا للمخاطر، فلتستبعد من المدارس الأفلام التي تتحدث عن الحق في الترشح والانتخاب، وليجرِ التركيز على الأقل، على الأفلام المتعلقة بحقوق الطفل قبل النضوج!

* كاتبة سورية