Ad

الانتخابات حملت في طيات نتائجها متناقضات حادة، فلا يوجد فيها رسالة واحدة، كما يريدنا البعض أن نظن أو نتصور، بل تحمل رسائل عدة متضادة ومتناقضة، فمن يريد أن يرى رسالة واحدة واضحة، فهو يرى ما يريد أن يراه فقط ويتجاهل أو يتعامى عن نقيضه.

انتهت الانتخابات الأكثر غرابة في تاريخ الكويت، إلا أن غرائبها لم تنته بعد، فمازال هناك في جعبتها وما سيستند إلى نتائجها الكثير.

كان ملحوظاً الأسلوب التعميمي الذي لجأ إليه الإعلاميون في وصف النتائج أو تفسيرها، وهو أسلوب يسعى إلى اختزال الصورة وتسطيحها وربما التشويش عليها.

ومن غرائب هذه الانتخابات مثلا أنها أكثر انتخابات غابت عنها الأرقام حتى في النتائج، فلم يحدث اختلاف أبدا حول الأرقام النهائية كما هو حادث أيامنا هذه، فمازال البعض يردد أن نسبة المشاركة قد بلغت 60% وهو رقم غريب خصوصاً أن من أعلنه ابتداء كان وكالة الأنباء الكويتية «كونا»، والمؤسف أن العديد من الصحف والكتّاب والمعلقين قد استخدموه، مع أن الأرقام المعلنة عن نسبة المشاركة في كل دائرة على حدة وحاصل جمعها ثم قسمتها تقودنا إلى رقم مختلف تماماً، وهو حوالي 69%، وهي أعلى بقليل من نسبة المشاركة في انتخابات 2006، ويجرنا الحديث عن جمع الأرقام إلى معضلة أكبر من التضارب حول نسبة المشاركة، فقد تعددت تصريحات النواب المرشحين عن تخفيضات كبيرة لأعداد أصواتهم الحقيقية التي حصلوا عليها، ولعل الإشكالية التي أخرت إعلان نتائج الدائرة الثانية تصب في هذا الاتجاه، ومازلت في مرحلة جمع الأرقام التفصيلية لكتابة أكثر دقة لاحقاً.

انتخابات تحمل في طيات نتائجها متناقضات حادة، فلا يوجد فيها رسالة واحدة، كما يريدنا البعض أن نظن أو نتصور، بل تحمل رسائل عدة متضادة ومتناقضة، فمن يريد أن يرى رسالة واحدة واضحة، فهو يرى ما يريد أن يراه فقط ويتجاهل أو يتعامى عن نقيضه.

انتخابات تحمل في نتائجها وإجراءاتها تفاؤلا وتشاؤما في آن واحد، فمن يريد أن يتفاءل فعليه أن يتمعن في النتائج التي حققتها المرأة، فالدكتورة أسيل العوضي مثلا وهي التي ظهرت على الملأ من دون سابق إنذار، ومن دون سابق ظهور، حققت المركز الحادي عشر واحتلته باقتدار، كما لا يمكن كذلك تجاهل وصول د. رولا دشتي إلى المركز الخامس عشر، كما لا يمكن تجاهل الرقم الكبير الذي حققته المرشحة ذكرى الرشيدي في الدائرة الرابعة ولم يفصلها عن نائب سابق إلا 85 صوتا فقط، ومن يريد أن يتفاءل فعليه استيعاب الأداء الانتخابي المتميز للنائب صالح الملا وهو مرشح جديد استطاع أن يحتل المركز الخامس في دائرة انتخابية بالغة الصعوبة، كما أن علينا أن نستوعب فوز فيصل المسلم العتيبي بالمركز الأول وعادل الصرعاوي بالمركز الثاني باكتساح كبير، ولم يكن الفوز الكاسح للأول لكونه قبلياً فقط أو إسلامياً فقط، وللثاني لكونه إسلامياً فقط، بل بشكل أساسي تقديراً لمواقفهما الواضحة من القضايا العامة، ومن يريد أن يتفاءل فعليه أن يدرك كيف استطاعت الدائرة الثانية أن تنتج 3 نواب ليبراليين ونائبين سلفيين ونائباً من «حدس» إيمانا بالتعددية والتنوع.

أما من يريد أن يتشاءم ويغرق في القنوط والإحباط فلا شك أن لديه الكثير من الأسباب والمبررات، فالكثير من الظواهر السلبية مازالت مستحكمة وحاكمة للانتخابات ومؤثرة في مخرجاتها مما أدى إلى خسارة عدد من مرشحي الكفاءة والمبدأ.

الشاهد، أن هذه الانتخابات المليئة بالغرائب والعجائب، هي انتخابات لن تتكرر بهذه الصورة، وقد فاز أغلب من فيها بسبب نجاحهم في تطويع التكتيك الانتخابي وبراعتهم في توظيفها، ولذا فإن اتخاذ موقف من العملية الديمقراطية بسبب نتائج الانتخابات لا مبرر له، فهي ليست إلا محطة في طريق طويل، وهي فعل تراكمي غير ثابت حيث إنها انعكاس للحراك الاجتماعي الشامل.

إنها محطة في تاريخ التطور السياسي بما لها وما عليها.

وللحديث بقية.