Ad

القوانين والأنظمة الانتخابية، مع أهميتها ومهما ارتفع مستوى جودتها، لا تستطيع أن تحدث تغييراً اجتماعياً وسياسياً بين ليلة وضحاها، بل لابد أن يسبقها أو يتزامن معها تغير في القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية وتبدل في الموروث السياسي، وتلك أمور تستلزم وقتاً وتوافر مقومات مجتمع مدني متماسك يتسم بتكافؤ الفرص في ظل سيادة القانون.

«كما كنت»... هكذا، وبما يشبه السخرية، خلص صديقي المحبط من حديثه الطويل وتحليله الشيق لنتائج الانتخابات، وهو الذي كان متفائلاً بمخرجات نظام الدوائر الانتخابية الخمس الذي عمل جاهداً لإقراره وكان يعتقد، واهماً، أن وجود نظام انتخابي جديد بحد ذاته سيكون هو الحل السحري لأزمتنا السياسية، لما سيحدثه، حسب اعتقاده، من تغيير سريع في توجهات الناخبين وبالتالي في تركيبة المجلس.

وقد حاولت، كوني من المصابين بداء التفاؤل، التخفيف من إحباط صديقي مذكراً إياه بأن التغيير الاجتماعي والسياسي لا يحدث هكذا فجأة ومن دون مقدمات، بل لابد من التراكمات الكمية التي تؤدي عادة إلى حدوث تغير نوعي في الفهم والوعي السياسي. ثم ذكرت له أنه من الصعب تغيير ما اعتاد الناس عليه فترات طويلة بشكل سريع وتلقائي وبقرار أو قانون تشريعي، لأن التغيير يحمل عادة، وفي جزء رئيسي منه المجهول، وغالبية البشر تفضل المحافظة على ما اعتادت عليه. لذا فقد حمل النظام الانتخابي الجديد في أول تجربة له بعض سلبيات النظام الانتخابي السابق الذي اعتاد الناخبون عليه، وهو ما يحتاج إلى معالجه سريعة، مع ضرورة التأكيد أنه من الخطأ أن نحكم سريعاً على جودة نظام الدوائر الخمس قبل تغيير مدخلاته السياسية وتجربته أكثر من مرة. هذا مع العلم بأننا ممَن يعتقدون بأن النظام الانتخابي الأنسب للكويت هو نظام الدائرة الواحدة والقوائم النسبية الذي يجب أن يسبقه إشهار للأحزاب السياسية التي تلتزم بالدستور وبالديمقراطية.

من ناحية أخرى، قلت لصديقي، إن القوانين والأنظمة الانتخابية، مع أهميتها ومهما ارتفع مستوى جودتها، لا تستطيع أن تحدث تغييراً اجتماعياً وسياسياً بين ليلة وضحاها، بل لابد أن يسبقها أو يتزامن معها تغير في القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية وتبدل في الموروث السياسي، وهذا كله يحتاج إلى وقت أولاً، وإلى قوى سياسية ملتزمة فعلاً بالدستور والديمقراطية ومؤمنه بالتغيير ثانياً، وإلى مقومات مجتمع مدني ديمقراطي يحترم ويحمي الحريات العامة والشخصية ويعزز مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون ثالثا، وهو ما لا يتوافر، للأسف، في واقعنا الحالي.

ما العمل إذن ؟ تساءل صديقي، فأجبته:

إن المطلوب هو التجديد في حياتنا السياسية، ومن حسن الحظ أننا لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة كما يقال، فالتجارب الديمقراطية المتطورة في العالم كثيرة، وما علينا إلا دراستها والاستفادة منها، قبل فوات الأوان، وتطبيق ما يتناسب مع واقعنا السياسي وما نطمح إليه. والأسئلة التي تتبادر إلى الذهن الآن هي، تُرى، هل يعي أعضاء السلطتين هذه الحقائق ويبدؤون من الآن في تبني مشروع تنموي استراتيجي يشتمل على تجديد الحياة السياسية من أجل كويت القرن الحادي والعشرين؟ أم تراهم سيجعلوننا ندور معهم في حلقة مفرغة فنخرج من أزمة سياسية لنقع في أخرى، ومن ثم تضيع علينا الفرصة التاريخية لتطوير وتنمية بلدنا، وهي فرصه قد لا تتوافر لنا في المستقبل؟ إن الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة يا صديقي العزيز .