آخر وطن: حبيب لا يشبهني
في الحب لا تبحث عن شريك له نفس صفاتك، فتلك كارثة كبرى.
التطابق في الأفكار، في المشاعر، في الرؤى، في التصرفات، في الزوايا التي يتم النظر من خلالها بين الحبيبين، كل ذلك لا يخلق حالة حب وإنما.. زهرة نرجس.. جافة! كثير منا يريد أن يشكّل حبيبه أو حبيبته بما يتطابق مع نفسيته ومزاجه، وهذه نرجسيه مؤلمة، كثير منا يبحث عمن يستطيع في نهاية الأمر أن يوسمه بختم «نسخة طبق الاصل» عنه ليمنحه شهادة الرضى والقبول به كـ«حبيب». بل أن درجة محبتنا لشخص ما تعتمد اعتمادا كليا على ما لدى هذا الشخص من صفات تشبهنا! ونحن إذ نؤمن بذلك نعتقد أن هذا هو الأساس القوي والمتين لاستمرار علاقة عاطفية أطول قدر الإمكان، وهذا خطأ فادح، يعبّر عن نفسية مريضة،أو قلة وعي بماهية الحب في أفضل الأحوال، فلو كان ذلك هو المعيار السليم لا كتفينا بحب أنفسنا، إذ ليس هناك من يشبهنا أكثر منا! وعند التفكير مليا بسلوكنا هذا، نكتشف كم نحن البشر أو على الأقل كثير منا مخادعون، أفاقون، أنانيون، وما سلوكنا هذا في الحب إلا إحدى الحيل التي ابتكرناها لنمارس أنانيتنا دون أن يُقبض علينا متلبسين بممارسة تلك الأنانية، فبدلا من أن نجاهر بحبنا لأنفسنا ولذواتنا ونتهم بالأنانية والغرور، نبحث عمن نستطيع تدجينه وإفراغه من ذاته، وسلب شخصيته، ومصادرة بصمة أصابعه، وعشب روحه، وشذى ورده الخاص، ليصبح نسخة عنا، ومن ثم نحبه جهارا نهارا، ونعلن أمام الملأ عن مشاعرنا الرائعة تجاهه، واستعدادنا للتضحية في سبيل حبه، بل قد ننال شهادات التقدير والإعجاب من قبل الآخرين لسمو عواطفنا، ونبل أحاسيسنا، ونحن في الحقيقة لم نكن نحب سوى صورتنا الأخرى، ولم نكن مستعدين للتضحية سوى في سبيل محبتنا لانفسنا وبدلا من أن نُرجم لانحراف مشاعرنا، أو أن نوضع في مشفى نفسي لعلاجنا، نكرّم، ونخلّد، وقد يطالب البعض ببناء نصب تذكارية لنا، تبقى شاهدة على مر التاريخ ودليلا على أننا عشاق رائعون! تذكروا جيدا.. الحبيب الذي يشبهنا يقتلنا! وكلما زاد الشبه بيننا وبين من نحب، أدى ذلك إلى جفافنا! الحبيب الذي يشبهنا لا يمنحنا القدرة على الطيران، ولا يمنحنا القدرة على التخيل، ولا القدرة على الابتكار، ولا على الحب الخلّاق. الحبيب الذي يشبهنا.. مجرد ظل على الأرض، وخيال مآتى، وأغنية جافة الينابيع. الحبيب الذي يشبهنا.. يجعلنا متورطين بأصابعنا، وببوحنا، وبفراشاتنا الملونة. تذكروا جيدا.. لا تفرحوا بأن أحباءكم من شدة معرفتهم بكم قادرون على قراءة أفكاركم، ومعرفة ما ستقولون قبل أن تقولوه، لا تفرحوا كثيرا بذلك، فإن ذلك يجفف نهر الكلام بينكم، ولا يحض الصمت على أن يثمر! ولا يسعدكم أنكم قادرون على التنبؤ بما سيفعل أحباؤكم دائما، وتعتبروه دليلا على درجة تطابق أفكاركم، فإن ذلك يصادر دهشتكم بالحب وبـ من تحبون! وتذكروا جيدا.. الحب ليس مشروع تطابق وإنما حالة تكامل. إذا كنا ترابا.. فلابد أن نبحث عن ماء، أو عن نخلة، أو حتى عن شارع مرصوف! وإذا كنا سماء.. «فالأكمل» أن نبحث عن نجمة،أو شال قمر، أو تلويحة شمس، أو جناح عصفور. وتذكروا أخيرا.. الحبيب الذي يثرينا.. هو ذلك الحبيب الذي نكتشفه كل يوم.. ويدهشنا!