ماذا فعل التيار الديني بأغلبيته التي يتباهى بها؟ شغله الشاغل منذ الانتخابات التدخل في سلطات سمو الأمير في تعيين رئيس الوزراء، وحجاب الوزيرتين، وحفلات المستشفى والفنادق ومسلسلات رمضان، ومثليي الجنس، وإقالة وكيل وزارة الصحة، والآن قضيتهم الكبرى التي يستجوبون رئيس الوزراء عليها هي إبعاد أحد الوافدين لدوافع طائفية.كتبت ثلاثة مقالات في مايو ويونيو الماضيين عن الاتجاه الذي يأخذ التيار الديني فيه البلد بطرحه المُـفــرِّق وقضاياه الهامشية وأزماته المفتعلة، والاستجواب المقدم من نوابه إلى رئيس مجلس الوزراء يأتي مكملاً لمسلسل افتعال الأزمات وافتقاد الحكمة وجر البلد نحو الهاوية. في الانتخابات الأخيرة تبرأ المرشحون وأولهم مرشحو التيار الديني من التأزيم وزيّنوا حملاتهم وندواتهم الانتخابية ببرامج التنمية وحل مشاكل الخدمات والإدارة في البلد، واستثمروا معاناة الناس وتذمرهم من تردي الأوضاع العامة في دغدغة مشاعرهم، ثم احتفلوا وتباهوا بنتائجهم، وصدقهم الناس بأنهم سيحققون وعودهم الانتخابية ماداموا أصبحوا أغلبية في المجلس.
المشاكل هي نفسها التي كانت موجودة قبل الانتخابات، فمازالت هناك 80 ألف أسرة تقف في طابور الإسكان، ومازال احتكار الأراضي قائماً وأسعار العقار في السماء، ومازال المواطنون يعانون ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية، ومازالت الخدمات الصحية متردية والمستشفيات تنقطع عنها الكهرباء، ومازلنا نقضي الصيف تحت رحمة القطع المبرمج للكهرباء، ومازالت التركيبة السكانية مختلة والصحف مليئة بأخبار جرائم القتل والخطف والسرقة، ومازال حوالي 100 ألف مواطن من غير محددي الجنسية لا ينعمون بأبسط الحقوق الإنسانية، ومازالت الزحمة في الشوارع في ازدياد مستمر، ومازالت فرص العمل غير متوافرة لاستيعاب الشباب الذين سيدخلون سوق العمل خلال السنوات العشر المقبلة، ومازال الفساد يعم الوزارات ومعاملات المواطنين رهينة الواسطة والرشاوى.
ماذا فعل التيار الديني بأغلبيته التي يتباهى بها؟ شغله الشاغل منذ الانتخابات التدخل في سلطات سمو الأمير في تعيين رئيس الوزراء، وحجاب الوزيرتين، وحفلات المستشفى والفنادق ومسلسلات رمضان، ومثليي الجنس، وإقالة وكيل وزارة الصحة الذي كسب حكماً نهائياً قبل أيام ضد النائب وليد الطبطبائي بسبب تصريحاته المسيئة إليه، والآن قضيتهم الكبرى التي يستجوبون رئيس الوزراء عليها هي إبعاد أحد الوافدين لدوافع طائفية. قارن هذه الفقرة بسابقتها، تلك قضايا البلد، وهذه أولويات التيار الديني، ولا عزاء للمواطنين، وعدوهم و«شرّبوهم المقلب».
لست أدافع عن الحكومة ورئيسها، فالحكومة برأيي تستحق بدل المساءلة ألفاً منها لأنها تخاذلت في تطبيق قانون الانتخابات الفرعية بجدية حتى أصبح عندنا نواب مثل محمد هايف وعبدالله البرغش، وهي تستحق المساءلة لأنها سمحت لمحمد هايف بإثارة الفتن الطائفية بقيامه بمراقبة الحسينيات كما كان يصرح، وهي تستحق المساءلة لأنها رضخت لابتزاز النواب وساومت بحقوق الناس وتخاذلت في حماية موظفيها مثلما رضخت لضغوط الطبطبائي لإقالة وكيل وزارة الصحة السابق. إننا في زمن العجائب، فلدينا نواب يخالفون القانون، ويستجوبون الحكومة لأنها لم تطبق القانون.
Dessert
هل سيكون مقال الأسبوع المقبل حراً؟ أم «يسّير» علينا الرقيب الحكومي؟