في ظل الأزمة المالية الحالية تنظر اليابان إلى النخب الإدارية للمساهمة في المشورة والرأي، والمساهمة بوضع معايير ذات الجودة العالية لخطط الإنقاذ المالي، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك حصر للنخب والكفاءات الإدارية في دولنا؟

Ad

ازدحمت الصحف والمجلات الاقتصادية، العربية منها والأجنبية، الإلكترونية منها والورقية، بالمقالات والدراسات التي تسابقت في تحليل آثار الأزمة المالية العالمية على الدول الصناعية الكبرى، أقول ذلك بعد متابعتي حلقة نقاشية عبر الإنترنت عقدت في أحد المراكز البحثية المعنية بالشؤون الآسيوية عن الأزمة المالية وأثرها على دول الانتعاش الاقتصادي الآسيوية أو «النمور الآسيوية»، واستوقفني إصرار المحللين والكتّاب المشاركين على أهمية دور «النخب الإدارية» في الدول الآسيوية.

ومن واقع متابعتي للشأن الآسيوي، أذكر أن «النخب الإدارية» في اليابان عرفت في زمن المعجزة الاقتصادية، وفي تجربة التحديث اليابانية ساهمت هذه النخب بكفاءتها وحسن تخطيطها، حيث كان لها الفضل في تجاوز اليابانيين مرحلة الخوف من نقص الموارد الأولية الضرورية لمصانعهم، واتخذت قرارا بإبرام عقود طويلة الأمد بين الشركات اليابانية وحكومات البلدان المنتجة للمواد الأولية على قاعدة «مواد خام مقابل سلع مصنعة»، وكان لوزارة التجارة الدولية والتصنيع آنذاك الفضل في السعي إلى تدريب وتطوير الطاقات البشرية والحرص على رفع المستوى الثقافي وتطوير القدرات التقنية... ولذا فقد أظهر اليابانيون في فترة الذروة الاقتصادية قدرة هائلة على اختراق جميع الأسواق عبر التوظيف المالي الكثيف، والإنتاج الصناعي والتقني البالغ الجودة. وبرز دور النخب الإدارية في الاستثمار بتدريب العمال وقوى الإنتاج على نمط ينظر إليه، كالنموذج الياباني الذي أثبت كفاءة عالية في المنافسة من حيث كثرة ساعات العمل، ووفرة الإنتاج، وجودة السلع القادرة على المنافسة.

وفي ظل الأزمة المالية الحالية تنظر اليابان إلى النخب الإدارية للمساهمة في المشورة والرأي، والمساهمة بوضع معايير ذات الجودة العالية لخطط الإنقاذ المالي، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك حصر للنخب والكفاءات الإدارية في دولنا؟ وفي ظل الأزمة المالية وقيام القطاع الخاص بتسريح الفئات الإدارية، هل هناك تقدير لعدد الكفاءات الخارجة من القطاع الخاص؟ وهل هناك نية للقطاع الحكومي لاستبدال العشرات من موظفي «فئة عديمي الإنتاجية» بفئات أكثر كفاءة وقدرة على المنافسة؟ أم أن الترهل والتكدس الوظيفي أصبح النمط السائد الذي لا يستطيع القطاع العام التخلي عنه؟ وفي النهاية أقول «لاعزاء للكفاءات»!

كلمة أخيرة: بعد إقرار خطط الإنقاذ المالي في الدول الأجنبية، ستشهد دول الخليج تقاطرا دبلوماسيا وزيارات تاريخية لا مثيل لها، فهل أفرزت الأزمة المالية مفاهيم جديدة للدبلوماسية؟ وإلى متى ستظل دولنا مانحة، مانحة، مانحة... بدرجة امتياز؟