ذكرْت في الحلقة السابقة، أننا فتحنا باب التبرع في مقهى «الليترنا» وجمعنا مبلغاً من الأصدقاء، لتقديمه إلى الشاعر «غيلان» وفقاً لشروط محددة.
وقد شكلنا بعدها وفداً للبحث عن غيلان. فقيل لنا إنه يرتاد مقهى للفلاحين العراقيين المقيمين في دمشق، حينما تضيق به السبل ليشرب معهم الشاي الثقيل ويدخن «...... اللف»، وبالفعل ما إن لمحناه مع أحد «الفلاحين»، حتى قلنا لعبدالرحمن أحمد: إذهب إليه؛ فهو لا يعرفك وأرجو أن تتحدث باللهجة العراقية وتدعوه إلى الخروج معك؛ «لأنك تحمل رسالة إليه من بغداد»، وحينما تخرجان أمسكه من تلابيبه وقل له معك المخابرات العراقية ليطير قلبه(!!)، وبالفعل اتجه إليه القاص الإماراتي وناداه إلى الخارج، ثم سار معه، وما إن وقفا على الباب وقبل أن يمثّل عبدالرحمن الدور المحبوك المرعب لمحني غيلان بسرعة، وأخذ يصرخ: الخليجي النصاب الخليجي النصاب؛ فاتجهنا إليه وقبلناه وأخذناه بالأحضان وقلنا له يا غيلان «تعيش وتاكل غيرها»، ولكن من الآن فصاعداً؛ فقد فتح الله لك باب الرزق بفضل ذلك الخليجي الذي نصب عليك، ثم سرنا به إلى المقهى، ووقّع على ما اتفقنا عليه. في اليوم التالي قررت و«آن» المجرية ونزولاً عند رغبتها «المبجلة»، أن نرحل إلى «صلنفة» بحثاً عن سيد الغجر «عبجو» في مضاربه التي توزعت بين الجبال الحراجية، التي لا يمكن الاستدلال عليها إلا في الليل، حينما تسمع قرع طبولهم في ظلام الغابات؛ لأنهم في بدء الخريف يتسللون إلى الحدود التركية عبر «باب الهواء»؛ لذلك كان علينا الاستعجال للحاق بهم قبل بجعتهم الخريفية التي قد تمتد إلى العام المقبل، ومن هنا فقد تواعدنا وسائق تاكسي أعرفه في فندق الشام، ولكني ما إن دخلت و«آن» إلى ردهة الفندق، حتى لحظت مجموعة من الكويتيين يتحلقون حول طاولة في اللوبي، وكان بينهم الصديق سليمان الفهد والصديق لاحقاً عيسى العصفور، الذي لم أكن أعرفه من قبل، وكذلك كان معهم عبداللطيف الثويني والدبلوماسي أحمد الفهد من الخارجية والملحق أو القنصل آنذاك في سفارة دولة الكويت في دمشق عبدالمحسن الحسيني، وما إن لمحت هذه الديوانية حتى زغت سريعاً كالثعلب، وقلت يا «آن» أرجو أن تنتظري هناك في الزاوية؛ فمن العار أن يروك بصحبتي، إذ قد «يظنون بنا سوءاً» لا سمح الله؛ فاستغربت «آن» كثيراً؛ لأنها تعودت أن تجلس بين أصدقائي لابسي البدلات؛ فما الذي يمنع إذن أن تجلس بين أصدقائي لابسي «الدشايش»، ثم إنها كما صرحت كانت تتمنى أن تجلس مع عربي يرتدي الدشداشة، بل وتأخذ صورة معه؛ فقلت لها يا «آن» يا سليلة الفندال والقوط والجرمن، وكل قبائل أوروبا العزيزة الشرسة، إن قبائلنا لا تقبل أن تجلس المرأة بين الرجال؛ لأن ذلك «ضرب من العار»، ثم إذا كنت تتمنين أن تجلسي مع لابسي الدشاديش؛ فأنا أحدهم، بل إنني على استعداد ألا أخلعها حتى في النوم، ولدي دشاديش كثيرة سأهديك واحدة منها بعد عودتنا من رحلتنا «الميمونة» إلى الغجر. *** وبعد أن سلمت على «الربع» الكويتيين وجلست قليلاً معهم، وتناولت فنجاناً من القهوة استأذنت منهم؛ لأنني على جناح من السفر إلى اللاذقية، ولكنني تواعدت أنا وسليمان على أن نلتقي بعد يومين، وكذلك وعدت عيسى العصفور بأن نلتقي في الغابة الخضراء عند العودة. ثم انطلقت. وما إن رأيت سائق التاكسي يدخل إلى ردهة الفندق؛ فأشرت إلى «آن» بأن تلحقنا وبالطبع كانت غاضبة من تصرفي المتخلّف ذاك، ووصمتني بـ«الانفصام الثقافي» الذي يعانيه كل مثقفي الشرق، بل وحتى شعراؤهم الذين ينادون بالحرية!! ثم استرسلت «تبغبغ» عليّ بما أفهمه وما لا أفهمه من لغة؛ لتعطيني درساً في السلوك الحضاري الذي يجب أن انتهجه في الحياة، ولم أملك حينها إلاّ أن أضع كفي على رأسي كما يفعل سائق التاكسي الشامي معي. *** *إلى الأخت نورة العتال للإجابة عن أسئلتك، أرجو الاتصال بالكاتب على موقعه الإلكتروني www.sulimanalfulih.com
توابل - ثقافات
السيرة الذاتية لطائر الصحراء - 31
28-05-2008