أتفهم لو اشترطت وزارة أو شركة الفحص الطبي للحصول على وظيفة فيها، كون طرفا الاتفاق هنا هما طالب الوظيفة وجهة العمل، ومن حق أي منهما فرض أي شرط على الآخر، وليس لأي طرف ثالث حق التدخل بينهما، والأمر كذلك في الزواج مع فارق أن العقد بين شخصين، ولا يحق لأي طرف ثالث التدخل بينهما في أسس اختيارهما لبعضهما أو الشروط التي يتفقان عليها.كان النفَس السائد خلال الانتخابات هو أن الناس ملّت من التأزيم والإنشغال بتوافه الأمور، وأن التنمية توقفت ونتج عنها مشاكل البطالة والغلاء والإسكان والصحة. والآن بعد أن اختار الناس ممثليهم في المجلس لحل تلك المشاكل، يطالب بعض النواب بمد دور الانعقاد لإنجاز بعض «القوانين المهمة». ولما كان صوت ندوات الانتخابات لم يخفت بعد وحبر نتائجها لم يجف، يخال لك أن مطالب الناس في طريقها للاستجابة، وأن النواب أتوا أخيراً بخطة لتحرير الأراضي وتطويرها إلى مدن سكنية، ومشروع اقتصادي لخلق فرص العمل، وقوانين منع الاحتكار وحماية المستهلك لمعالجة الغلاء، ومقترح لتطوير المستشفيات وجلب أفضل الأطباء والمعدات. ولكن سرعان ما تكتشف أن أحد تلك «القوانين المهمة» هو قانون الفحص الطبي قبل الزواج! وهو الذي يمنع أي رجل وامرأة من الزواج قبل أن يثبتا للدولة أنهما خاليان من الأمراض.
أتفهم لو اشترطت وزارة أو شركة الفحص الطبي للعمل فيها، كون طرفا الاتفاق هما طالب الوظيفة وجهة العمل، ومن حق أي منهما فرض شروطه على الآخر، وليس لأي طرف ثالث حق التدخل بينهما، والأمر كذلك في الزواج مع فارق أن العقد بين شخصين، ولا يحق لأي طرف ثالث التدخل بينهما في أسس اختيارهما لبعضهما أو الشروط التي يتفقان عليها، إذ يقتصر دور الدولة على تنظيم الاتفاق وتوثيقه لحفظ حقوقهما، لذلك فإن فرض الدولة شروطاً خارج هذا الإطار يعد تدخلاً في الشؤون الخاصة للناس وتعدياً على حرياتهم الشخصية في التعامل فيما بينهم. فإن أراد الزوج أو الزوجة أن يشترط أحدهما على الآخر إجراء الفحص فليكن لهم الاختيار، لا أن يفرض عليهم فرضاً.
يروج للقانون بأنه لحماية الأسرة، بينما جاءت الاعتبارات الاجتماعية والأعباء المالية في مقدمة أسباب الطلاق في إحصاءات وزارة العدل، فهناك أزمة إسكان تجبر حديثي الزواج على السكن مع أهلهم مسببةً ضغوطاً اجتماعية عليهم، أو السكن بالإيجار الذي يستنزف دخولهم، ومسألة الفحص الطبي لا تساوي شيئاً مقابل ما سبق، وإقرار قانون له لن يوفر لهم مسكناً يضمن استقرارهم وسعادتهم، بل سيكون إضافة لمساحيق التجميل التي يتزين بها نوابنا من باب التدين والمحافظة وغض النظر عن المشكلات الحقيقية.
Dessert
أنتمي إلى جيل يتمنى أن يرى ماذا باستطاعة النائب جاسم الخرافي أن يقدم من مقترحات وقوانين من مقاعد النواب، على أمل أن تستعيد رئاسة مجلس الأمة مكانتها في ميزان السلطات الدستورية وهيبتها المفقودة منذ تسع سنوات.