إصلاح العملية السياسية
الناخب لا يولد وهو يمتلك الوعي السياسي السليم الذي يمكنه من حسن الاختيار، بل إن وعي الناخب يعتبر نتاجاً أو انعكاساً للوضع السياسي العام الذي يعيش فيه، فإن صلُح الوضع العام توافرت الظروف الموضوعية للاختيار السليم والعكس صحيح.أي مراقب موضوعي للوضع السياسي العام خلال فترة الانتخابات لابد أن يخرج بنتيجة مؤداها أن هناك فوضى سياسية ستعكس نفسها حتماً في تركيبة المجلس القادم الذي من المؤكد أن تركيبته لن تختلف عن تركيبة المجلس المنحل حتى إن تغيرت بعض الوجوه. فرغم حالة الإحباط وخيبة الأمل من أداء أغلبية أعضاء المجلس السابق، فإن تركيبة المجلس القادم ستكون كما هي في السابق، وأقصى ما يمكن أن يترتب على تذمر الناخبين هو الانخفاض المتوقع لنسبة المقترعين... لماذا؟ لأن المعطيات أو المدخلات هي نفسها لم تتغير، وبالتالي فإن المخرجات ستبقى كما هي بلا تغيير، فالمقدمات المتطابقة تؤدي عادة وأبداً إلى النتيجة نفسها. بمعنى آخر كيف نتوقع تركيبة جديدة نوعياً للمجلس القادم في الوقت الذي لاتزال فيه آليات وأساليب ممارسة العمل السياسي الديمقراطي العام غير منظمة وتعاني قصوراً شنيعاً؟
إن غياب آليات ديمقراطية سليمة منظمة للعمل السياسي وقصور النظام الانتخابي هما من ضمن الأسباب التي جعلت التنظيمات القبلية والطائفية والفئوية غير الديمقراطية، التي يتعارض وجودها السياسي مع الأسس الدستورية، تتسيد المشهد السياسي العام وتلعب دوراً مؤثراً في توجيه الناخبين نحو مرشحيها، رغم أن غالبية مرشحي هذه التنظيمات غير الديمقراطية لا تفقه أبجديات العمل السياسي ولم تمارس العمل العام أو العمل التطوعي يوماً واحداً، ناهيك عن عدم معرفتها متطلبات وطبيعة العمل السياسي وافتقارها القدرة على التحليل السياسي السليم للأوضاع الداخلية والخارجية!لهذا نجد أن حكومات الدول الديمقراطية لا تكتفي بالتمني بأن يحسن الناخب عملية الاختيار، كما هو حال حكومتنا وحسني النية من الذين يطلقون على أنفسهم مسمى «نشطاء سياسيين»، وذلك لمعرفة هذه الحكومات أن الناخب لا يولد وهو يمتلك الوعي السياسي السليم الذي يمكنه من حسن الاختيار، بل إن وعي الناخب يعتبر نتاجاً أو انعكاساً للوضع السياسي العام الذي يعيش فيه، فإن صلُح الوضع العام توافرت الظروف الموضوعية للاختيار السليم والعكس صحيح. من هنا نرى أن الحكومات الديمقراطية تركز على عملية تثقيف الناخب وتوعيته باستمرار، وتعمل على توفير المتطلبات والآليات والوسائل الديموقراطية السليمة التي ترشِّد من عملية ممارسة العمل السياسي. أي أنها لا تكتفي بإطلاق التمنيات وانتظار ما ستجلبه لها الأقدار، بل إنها تبحث وتدرس المشاكل التي تقف في طريق تطوير النظام الديمقراطي، ومن ثم تبادر بشكل دائم بتوفير الوسائل والآليات الكفيلة بإصلاح وتجديد وتطوير ممارسة العمل السياسي والانتخابي. وهذا هو بالضبط ما نحن في حاجة إليه بعد انتهاء الانتخابات الحالية، لأنه من غير المعقول أن نتفرج على هذه الفوضى السياسية الحاصلة حالياً، والتي سيكون لها آثار سلبية على تطورنا الديمقراطي العام، ولا نعمل شيئاً لإيقافها. لابد من إجراء إصلاح جذري لآليات وأساليب العمل السياسي الحالي المتخلف الذي تجاوزه الزمن ولم يعد مناسباً لممارسة الحياة الدستورية الديمقراطية السليمة، كما أنه لابد من إصلاح النظام الانتخابي ليكون نظاماً انتخابياً عصرياً يتماشى مع روح الدستور ويعكس ما شهده المجتمع الكويتي منذ بدء العهد الدستوري من تغيرات اجتماعية وسياسية كبيرة. وهذا كله يتطلب ألا نكتفي فقط بإلقاء اللوم علي الناخب لأنه لم يحسن عملية الاختيار في الوقت الذي تتقلص أمامه فرص الاختيار السليم أو تكاد تنعدم! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء