كيف نجعل حياة الصم والبكم أفضل؟
تعتبر قضية «الصم والبكم» واحدة من أهم القضايا التي استطاعت المجتمعات المتقدمة تجاوزها إلى حد بعيد، بعد أن هيأت كل المستلزمات لأن تعوض الدولة والمجتمع ما فقدوه منذ الولادة أو لأسباب طارئة أخرى، ومازالت المؤسسات العلمية والطبية والإنسانية تسعى الى ان تقدم لهم الكثير، بدون نسيان دور التكنولوجيا التي أفردت لهم العديد من الاكتشافات والاختراعات التي حولتها الصناعة الدقيقة إلى الواقع وخدمتهم بعد التدريب عليها، وهذا جعل الحياة بالنسبة إليهم أكثر قبولا. ولكي يدرك المجتمع الدور الذي ينبغي عليه أن يؤديه تجاه هذه القضية، لابد أن نتعرف بشكل مبدئي على مشكلة الصم والبكم، وبعض الأساسيات في حياة أناس وجدوا أنفسهم بحاجة إلى اهتمام خاص وتعامل استثنائي.
لغة الإشارةلغة الإشارة لها أهميتها البالغة في عالم الصم والبكم، فهي عبارة عن إشارات محددة للاتصال مع الأشخاص الذين يفقدون حاستي السمع والنطق، وهذه الإشارات لها دلالاتها كما للغة الكلام، وهي تختلف باختلاف اللغة، لكنها تقوم في المقام الأول والأخير بإزالة العوائق التي تقف حائلا في الحوار.نستخدم لغة الإشارة في حياتنا اليومية، خصوصا إذا كنا في أماكن تستلزم الهدوء والصمت أو حينما لا يكون للغة الكلام في ذلك الموقع جدوى، فتبرز لغة الإشارة في مواقع إقلاع الطائرات حيثما لا يوصل الصوت رسالته، كما يستخدمها المخرجون في مواقع التصوير حفاظا على الهدوء، وغير ذلك من المهن والمعاملات اليومية التي تتفوق فيها الإشارة في الحوار على لغة الكلام.لغة الكلام في حياتنايتكلم الشخص العادي نحوالي ألف كلمة في اليوم، بينما يتكلم الشخص المنعزل نحو 500 كلمة في اليوم، ويتضاعف هذا الرقم بالنسبة الى العاملين في مجالات التسويق والتدريس وغيرها. ولعل الصوم عن الكلام أكثر مشقة وصعوبة عن الطعام. فلا يمضي الإنسان العادي يوما واحدا من دون تبادل أطراف الحديث والحوار مع الآخرين، وهو لا يحتاج الى الهدوء المطبق إلا فترة النوم وأثناء القيام بمجهود ذهني كالبحث والقراءة.هدوء مطبق الأصم يعيش في حالة هدوء مطبق، فالأصوات مجهولة بالنسبة إليه، والصوت الوحيد الذي يدركه هو صوت الصمت. إن هذا الهدوء المطبق يعزل الأصم عن محيطه والعالم الذي يعيش فيه، بسبب الصعوبة التي يواجهها من جراء فقده لسمعه التي ترتب عليها عدم إدراكه للأصوات وبالتالي عدم اكتسابه للغة المنطوقة. وتستمر محاولات الصم والبكم في التواصل رغم الإعاقة، ففقدان حواس معينة يزيد من مستوى أداء حواس أخرى، إذ يعتمد فاقدوا السمع على البصر واللمس وقراءة لغة الشفاه بشكل أكبر لأجل التواصل مع الغير، وهنا يلعب المجتمع دورا مهما في دمج هذه الفئة معهم أو نبذهم بعيدا. دور المجتمعيبذل البعض الكثير من المجهود والتكلف في تعامله مع الأصم، فيتم التعامل على أساس الإعاقة وليس على أساس ما يملكه من قدرات، وذلك بسبب الخلط بين مفهوم الإعاقة الجسدية والإعاقة الذهنية، فالصم والبكم إعاقة جسدية تتمثل بفقدان جزء أو كل من حاستي السمع والنطق، أما الإعاقة الذهنية فهي العوارض التي تعتري العقل فتقلل من مستوى الذكاء والفهم. وقد كشفت الدراسات أن الصم والبكم ليسوا أقل ذكاء من الناس الأسوياء، بل أن كثيرا منهم يتمتعون بنسب ذكاء عالية، كما يتسمون بسرعة بديهة وشخصية لماحة. وهذه الصفات فطرية لكنها تزداد وتصبح مكتسبة كتعويض عن الفقد الذي يعانونه. دمجهم في المجتمعإن إرادة المعاق الانخراط في المجتمع وتحدي صعوبات التعلم وإثبات الذات كافية لاحترام حقه في الحياة، واحترام هذا الحق يكون بإطلاق طاقاتهم الكامنة لكي ينسجموا مع المحيط وحركته والأهم في هذا الأمر مراعاة المبادئ الأساسية لأولئك الذين وضعتهم الأقدار أن يكونوا حسب ما نسميهم في الكثير من الأحيان ذوي الاحتياجات الخاصة:• عدم التعامل معهم كأنهم أقل من الآخرين الذين يمتلكون القدرات الإنسانية الكاملة.• دراسة مواهب وإمكانات كل شخص يعاني هذه الأزمة الجسدية وتوجيهه لأن يبدع ضمن المجالات التي يستطيع إظهار قدرته فيها.• ضمان حقوقهم المدنية الكاملة بلا أي تمييز سواء في منحهم فرص العمل أو الترقي الوظيفي والعلمي والأكاديمي، وفي كل المجالات التي يخوضونها. • إعداد المتخصصين المهيئين للتعامل معهم والذين يملكون كل الوسائل الكفيلة لتدريبهم وتعليمهم على أساليب مواجهة الحياة والاعتماد على النفس. • الاهتمام بالبنية التحتية كالمدارس والمعاهد الخاصة بتطوير مهاراتهم.• عدم زجهم مع بعض في نشاطات يعتقد غير المتخصصين أنها وسيلة للاعتناء بهم، لأن ذلك يضرهم معنويا ونفسيا، فالأفضل أن يختلطوا مع الجميع بالشكل الذي لا يجعلهم يشعرون أنهم فئة معزولة عما يجري حولهم من تغيرات وأحداث.• على المجتمع الانفتاح على هذه الفئة وتعلم لغتهم لأجل الحوار أولا، ولأجل التوسع في الثقافات ثانيا.