مصالحات خجولة واصطفافات طموحة!

نشر في 17-03-2009
آخر تحديث 17-03-2009 | 00:00
 محمد صادق الحسيني «لسنا بحاجة إلى وساطة قد تخفي في ثناياها الانتقال من ضفة إلى أخرى»... هذا ما قاله أحمدي نجاد للرئيس التركي الطامح إلى البحث عن دور أقوى لبلاده في مصاف دول «ائتلاف الطامحين» التي انضمت مبكراً اليها، وها هي تبحث في العاصمة الإيرانية ما يعزز ذلك الدور.

أما مرشد الثورة بالمقابل فقد فضل تلطيف مشاعر الضيف الجار ودغدغتها عندما حمل الدولة العظمى الأقوى، لكنها المتصدعة في العالم مسؤولية عدم فاعلية الدور التركي الآن على الأقل عندما قال له بألا تغييرات جدية وجوهرية في الأفق يمكن رؤيتها في الإدارة الأميركية الجديدة.

ومع ذلك يجزم العارفون ببواطن الأمور بأن «شعرة معاوية» لم تنقطع يوما مع الشيطان الأكبر حتى يشعر الحاكم الإيراني بأنه بحاجة إلى ثمة من يوصلها بينه وبين ساكن البيت الأبيض الجديد.

في هذه الأثناء كان العضو الآخر لـ«ائتلاف الطامحين» وأميرهم الجسور قد انضم إلى اجتماعات طهران الاقتصادية الإقليمية، عبر استضافه أحمدي نجاد اللافتة له، ربما لمكافأته على قمتي الدوحة التي أدخل فيها إيران إلى الجامعة العربية من الباب السياسي العريض، بعد الاعتراض «الإداري» لدول محور «الاعتدال» على تلك الخطوة، وربما لمناكفة قاهرة المعز تحديدا على تحفظها الجديد الذي جعل من عرين طهران أيسر منالا لعرض وجهة نظر الأمير من الوصول إلى «ديوانية» قمة العرب المصغرة.

وائتلاف الطامحين هذا الذي يضم في جنباته الكثير من الدول الصغيرة والمتوسطة والكبيرة التي التقطت إشارة التحولات الكبرى في معادلة العالم القديم، هو اللاعب الأهم الآن على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو القادر على وراثة رجل العالم المريض أي الولايات المتحدة الأميركية.

لا أحد من المتابعين الجديين يستطيع أن يقلل من أهمية ما حصل في قمة الرياض العربية التصالحية المصغرة، لكن أهم ما فيها هو ليس لغة التصالح الخجولة والمتواضعة المستخدمة فيها بقدر ما هي إشارة جدية على حصول تحول كبير في موازين القوى المحيطة بالإقليم جعلت بالإمكان لطرف ما أن يبدي استعداداً للانتقال من ضفة إلى ضفة أخرى، وهذا الطرف ليس سورية بالتأكيد.

فسورية كما تشير كل حيثيات التحول المحيط بالإقليم هي الرابح الأكبر من كل تلك التحولات، من بغداد إلى بيروت إلى غزة إلى كابول وصولا إلى طهران وهي التي لم توفرها دمشق لا في الماضي ولا في الحاضر، ووضعتها في كفة من الميزان أمام كفة العرب مجتمعين بقممهم الكبيرة والمتوسطة والمصغرة من الكويت إلى الدوحة وصولا إلى الرياض.

قد يكون صحيحا ظاهر المشهد السياسي بأن واشنطن التي لاتزال تتصدر سدة الدول العظمى تحاول الإيحاء بكل الصور المتاحة إلى أن طهران لم تتسلم بعد تأشيرة الدخول إلى النادي الدولي من جانب «الشريف»، والإيحاء أكثر فأكثر، وبين الفينة والأخرى بأن المشكلة هي في هواجس ومخاوف دول الجوار العربية مستخدمة العديد منها أوراق مساومة وابتزاز تجاه إيران، لكن الصحيح أيضا أن واشنطن توغل في الإذعان مع كل يوم يمر على تصدع قوتها واقتدارها المزيف وهيمنتها المتهاوية على تخوم الدولة الإيرانية المترامية النفوذ، بألا طريق لها للخلاص من أي من أزمات المنطقة والإقليمين العربي والإسلامي إلا عبر بوابة التفاوض مع طهران، والاعتراف بها كقوة إقليمية كاملة الاستقلالية وذاتية الدفع والاستمرارية.

ويبقى النظام العربي الرسمي هو المشهد الأكثر مأساوية في قدرته على تظهير هذه الصورة الناصعة، ضائعا بين نخب ليبرالية قديمة ومتجددة قلقة تضلله بسبب محاسبات خاطئة لموازين القوى الدولية، وبين «خلايا تائهة» من مدعي الاستقلالية والسيادة والحرية، ممن لايزالون يحنون إلى أحلام الإمبراطوريين الأميركيين الجدد الذين غر قت أغلبية سفنهم في قاع المستنقع العراقي، فيما ضلت ما تبقى من قوافلهم طريقها أكثر في رمال أفغانستان المتحركة.

قد يجادل أحدهم هنا ليخرج علينا بالقول إن معلوماته المتاحة تؤكد له أن واشنطن الديمقراطية الجديدة قد قررت عقد التسويات الكبرى مع كل من روسيا والصين، وهي بصدد التركيز على عزل طهران دوليا بأي ثمن كان، لاسيما عن ميدان الصراع العربي الإسرائيلي.

لهؤلاء نقول «حفظت شيئا وغابت عنك أشياء...»، ولمن لا يدري وليس مطلعا على خفايا الأمور نقول إن حركة قطار التحولات الذي يتحرك أمامنا هي من السرعة بمكان، ما يجعلنا غير قادرين على التوقف عند هذه المحطة أو تلك من المحطات القلقة، وإن عصر المفاجآت لم ينطلق بعد، والزمن القادم كفيل بأن يحكم للنخب القلقة والخلايا التائهة التي تضلل زعماءها أو حكامها أو لحركة الساسة الصادقين والمخلصين من الناس.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

back to top