بطبيعة الحال، فإنه في كل نقاش يتخذ أحد طرفيه جانب المدافع عن الدين، على الطرف الآخر، هذا إن كان ممن يؤثرون السلامة، أن ينسحب، وإلا فإنه سيوصم تلقائياً بمعاداة الدين، وربما سيُتهم بالكفر والعياذ بالله، وقد يطالب بالتوبة!
حين ظهرت منذ أيام على قناة «العدالة»، حذرت من مغبة أن يتم تحويل موضوع الاستجواب إلى معركة دينية ما بين من يدافعون عن الله عز وجل ورسوله- صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم، ولذلك يؤيدون الاستجواب، ومن لا يؤيدون الاستجواب، فوقعوا بذلك تلقائياً في خانة من لا يغارون على دين الله، لكن يبدو أن هذا الأمر قد حصل عند بعضهم!لأني كتبت، وتحدثت معارضاً للاستجواب على هامش قضية الفالي، فقد جاء من يراسلني أو يكلمني ولسانه أو لسان حاله يقول: ألا تخاف الله؟ ألم تسمع ما قاله الفالي في حق الله ورسوله وصحابته؟! كيف لا تقف في صف هؤلاء الذين انتفضوا غيرة لدين الله؟!يا ليت الأمور بهذا التبسيط الشديد، ويا ليت المسألة ببساطة تحديد من هو مع الله ورسوله، ومن هو واقف ضدهم، لأنه حينها ستهون الأمور، وستضحي جلية، لكن المسألة أبعد من أن تكون هكذا.حسناً يا سادة، تطاول رجل ما على الله ورسوله وصحابته، أليس الأجدر بنا، ونحن المنتفضين غيرة لدين الله، أن نجعله يمثل أمام القضاء امتثالاً لقول الله تعالى «ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى»، وحينما يحق عليه العقاب، سينال أقصى العقوبة جزاء لما اقترف؟!أم أن الصواب أن نصيح ونثور ونطالب بإجلائه ونقدم استجواباً لرئيس الحكومة لأن ذلك لم يحصل، وما هي إلا أيام، حتى يغادر الرجل بكل هدوء والابتسامة تعلو وجهه محاطاً بمريديه ومحبيه تحت وهج عدسات المصورين، ليستقل الطائرة على درجة رجال الأعمال معززاً مكرماً ويذهب إلى حيث سيستمر حتماً بالتبشير بما يؤمن به، وقائلاً لما قاله فأثارنا في المقام الأول؟! بالله عليكم، أي التصرفين كان أقرب إلى العقل؟ وكان أقرب إلى نصرة دين الله ورسوله وصحابته؟!نعم لا مانع من استجواب رئيس الحكومة، ولا يوجد شيء اسمه خط أحمر دون الرئيس، فهذا أمر كفله الدستور، عَقْدُنا الذي تعاقدنا عليه حكاماً ومحكومين، لكن الله عز وجل أعطانا عقولاً نقيس بها الأشياء، وعلمنا أن الأشياء بنتائجها وبما تفضي إليه، وأن امتلاكي سلاحاً ما لا يعني بالضرورة أن أستخدمه.ما الذي جنيناه من هذا الاستجواب الذي أدخل البلاد ومصالح الناس في هذه الدوامة اللانهائية؟ ومن الذي خسر أكثر من كل هذا يا ترى؟ والأهم من ذلك، من هو الرابح الأكبر؟!يقول بعضهم إن الاستجواب منبعه طائفي، وأنا أرفض أن أقول هذا، لكنني لن أتورع أن أقول إن أوضح توابع هذا الاستجواب هي توابع طائفية خالصة، ومن ينكر ذلك فعليه أن يتابع ما لحق، وكيف انقسم الكثير من أهل الكويت على أنفسهم، حتى صارت كل طائفة تلعن أختها.حسناً يا نواب الاستجواب، لنتخيل أن رئيس الحكومة اعتلى بالفعل منصة الاستجواب، ولنتخيل أبعد الأمور فنفترض بأنه لم يحز ثقة النواب ليغادر الحكومة ويأتي رئيس جديد. فكان ماذا؟ وماذا بعد؟! أخبروني بالله عليكم، كيف ستتشكل الحكومة الجديدة؟ ومن سيكون وزراؤها؟ ومن أين سيُؤتى بهم؟ وكيف سيتحول نواب اليوم بأجنداتهم القاصرة وهذا البرلمان الضعيف بأدائه، إلى برلمان منتج قادر على تلبية طموحات الناس؟ والأهم من ذلك، من سيعالج هذا التشرذم الذي أحاق بالمجتمع؟ وهذه الفتنة التي زُرعت في تربته وسُقيت بماء الكراهية عبر الصحافة والقنوات الفضائية وعبر المنتديات والمواقع الإلكترونية؟!كل الاحترام لنواب الاستجواب على المستوى الشخصي، فهم إخوة أعزاء، لكن هذا لن يمنعني من القول إن استجوابهم هذا خطأ كبير، ونتائجه المجتمعية وخيمة، إن لم تكن كارثية، نسأل الله أن يحمي مجتمعنا من أضرارها!
مقالات
... ورحل الفالي سعيداً... فماذا بعد؟!
23-11-2008